لا معنى له في محلّ الخلاف ، وبناء العقلاء على عدم الفحص فيما نحن فيه غير معلوم كما كان كونه على الفحص أيضا غير معلوم ، هذا مع أنّ الظاهر أنّ الشارع إنّما أسقط وجوب الفحص في العمل بالأصل في غير ما نحن فيه لحكم غير موجودة فيما نحن فيه ، من تعذّر الفحص في كثير من الموضوعات ، واستلزامه العسر والحرج بل اختلال نظم العالم في أكثرها ، لأنّ كلّ واحد من آحاد المكلّفين في يومه وليلته يحتاج إلى إعمال أصل البراءة في موارد متكثّرة من الامور المتعلّقة به ، فلو بنى على لزوم الفحص في الجميع لقضى ذلك باستيعاب الفحص لتمام الوقت فيختلّ بذلك سائر امور معاشه.
مضافا إلى أنّه في كثير من الموارد أيضا ممّا يثير مفاسد اخر من فتنة أو عداوة أو كسر قلب أو نحو ذلك كما يظهر للمتأمّل ، ومن الظاهر انتفاء جميع هذه الامور في محاسبة المال مثلا لاستعلام بلوغه حدّ الاستطاعة أو النصاب.
فالأقوى حينئذ هو القول بوجوب الفحص والمحاسبة في الواجبات المشروطة المشكوك في وجوبها للشكّ في حصول شرط وجوبها.
وإن كان القول بعدم الوجوب أيضا لا يخلو عن قوّة.
المقام الثاني : لا إشكال في وجوب الفحص في إعمال أصل البراءة في الشبهات الحكميّة للإجماع محصّلا ومنقولا على عدم جواز العمل به قبل استفراغ الوسع في الأدلّة ، وقضاء العقل المستقلّ بعدم كون الجهل المتوسّط بين العلم الإجمالي والتمكّن من العلم التفصيلي عذرا ، فيصحّ عقلا المؤاخذة والعقوبة على المخالفة الناشئة عن هذا الجهل.
وقضيّة ذلك كون موضوع أصل البراءة هو العجز عن العلم بالحكم الواقعي ، ولا يحرز إلاّ بالفحص فيجب ، ولبناء العقلاء على الفحص والسؤال عند العلم الإجمالي والتمكّن من العلم التفصيلي ، وعدم البناء على أصل البراءة من غير فحص ، كما يرشد إليه التأمّل في طريقتهم في النظر في الطومار الصادر من السلطان إلى ولاته المنصوبين في البلاد ، مع قضاء ضرورة الوجدان بأنّ أصل البراءة إنّما يعمل به عند الاضطرار وانقطاع اليد عن الدليل واليأس عن وجوده ، ولا نعلم ذلك إلاّ بالفحص ، مع أنّه لو لاه لزم الهرج والمرج في الدين وعدم التديّن بشريعة سيّد المرسلين ، بل ويلزم المخالفة القطعيّة في الوقائع المعلومة بالاجمال ، مضافا إلى الأوامر الواردة بتعلّم الأحكام والتفقّه في الدين والسؤال فيما لا يعلم