ففيه : أنّ كون الفحص شرطا للعمل بأصل البراءة إنّما هو باعتبار كونه ما يحرز به موضوع أصل البراءة ، وله في الموضوعات الخارجيّة موضوع لا يحتاج إحرازه إلى الفحص وإنّما يحتاج إليه في الأحكام ، وذلك لأنّ موضوعه في الشبهات الحكميّة إنّما هو العجز عن العلم وما يقوم مقامه ولا يحرز ذلك إلاّ بالفحص بخلاف الشبهات الموضوعيّة لكون موضوعها عدم العلم وما يقوم مقامه ، وهذا حاصل بدون الفحص.
وممّا يفصح بما ذكرنا تصريحهم في مواضع غير محصورة من المسائل الفرعيّة بمعذوريّة الجاهل بالموضوع دون الجاهل بالحكم ، وليس هذا إلاّ من جهة كون بناء أصل البراءة في الموضوعات على عدم العلم وما يقوم مقامه وفي الأحكام على العجز عن العلم أو عمّا يقوم مقامه.
فإن قلت : إطلاق القول بكون موضوع الأصل في الموضوعات عدم العلم محلّ منع ، بل إنّما يسلّم ذلك فيما لو كان الشكّ في التكليف والوجوب باعتبار الشكّ في اندراج المورد في العنوان المعلّق عليه الحكم في الخطاب.
وأمّا ما كان الشكّ في الوجوب المشروط باعتبار الشكّ في حصول شرطه فلا ، بل هو من حيث موضوع الأصل كالشبهات الحكميّة ، فلا بدّ من الفحص فيه احرازا لموضوع الأصل وهو العجز عن العلم وما بمعناه.
قلت : ثبوت الفرق في الموضوعات بكون موضوع الأصل في بعضها كما نحن فيه هو العجز عن العلم أوّل المسألة حيث لا شاهد عليه ، غاية الأمر قيام احتمال وينفيه إطلاق أدّلة الأصل وعمومها.
إلاّ أن يمنع العموم بدعوى ظهور « ما لا يعلمون » في النبويّ باعتبار وقوعه في قرن الامور الاضطراريّة في الجهل الّذي لا يكون عن تقصير المكلّف ، والعقل الّذي هو العمدة من أدلّة أصل البراءة إنّما يحكم بقبح المؤاخذة على المخالفة فيما لا سبيل للمكلّف إلى معرفته ، فيكون موضوع الأدلّة من العقل والنقل أيضا صورة العجز عن العلم لا مطلق عدم العلم.
وتوهّم أنّ هذا يعطي اعتبار العجز في موضوع الأصل في مطلق الموضوعات لا خصوص ما نحن فيه ، فوجب الفحص في الجميع وبطل الفرق والتفصيل.
يدفعه : أنّ قضيّة هذا البيان وإن كان ذلك إلاّ أنّ الشارع أسقط اعتبار الفحص في غير ما نحن فيه لأدلّة لا تجري فيما نحن فيه من الإجماع وبناء العقلاء ، فإنّ الإجماع ممّا