المحاسبة على كلّ حتّى تبيّن المكلّف من غيره ، وهنا لمّا كان للشارع حكمان متعلّقان بعبادة أحدهما أنّ المستطيع منهم يجب عليهم الحجّ ، والآخران غير المستطيعين لا يجب عليهم ، فيجب على المكلّفين أن يتفحّصوا عن أحوالهم حتى يظهر خطابهم.
وهذا أضعف من سابقه لمنع فهم العرف من الخطاب ، والاشتهاد له بما ذكر من المثال غير صحيح ، لوضوح الفرق بين فهم العرف وحكم العقل من جهة مقدّمة الامتثال ، والتزام العبيد المحاسبة إنّما هو للقطع بتنجّز التكليف بإتيان شيء مع اشتباه المكلّف به هل هو إتيان المائة أو العشرة؟ لعلم كلّ إجمالا ببلوغ ما عنده من المال حدّا وجب معه أحد الأمرين.
ومن مشايخنا من وجّه المقام بقوله : « الّذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص أنّه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقّف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا ، تعيّن هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص ، ثمّ العمل بالبراءة ـ إلى أن قال ـ : ومن هنا يمكن أن يقال في مثال الحجّ المتقدّم : أنّ العلم بالاستطاعة في أوّل أزمنة حصولها يتوقّف غالبا على المحاسبة فلو بنى الأمر على تركها ونفي وجوب الحجّ بأصالة البراءة لزم تأخير الحجّ عن أوّل سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص (١) » وفيه : أنّ مخالفة التكليف اللازمة من إهمال الفحص إن اريد بها مخالفة التكليف الواقعي فكثرة لزومها غير قادحة في العمل بالأصل ، لأنّ مبناه بمقتضى إطلاق أدلّته على نفي التكليف الفعلي وإن لزم منه مخالفة الحكم الواقعي كثيرا ، وإن اريد بها مخالفة التكليف الفعلي فالملازمة غير مسلّمة ، لأنّ مفاد أصل البراءة إذا كان نفي التكليف الفعلي فلا يلزم من العمل به مخالفة التكليف الفعلي أصلا فضلا عن كثرته.
وتحقيق المقام : أنّ وجوب الفحص الّذي منه محاسبة المال إن اريد به الوجوب الشرعي على معنى كونه خطابا من الشارع بالخصوص ، فهو ممّا لا دليل عليه من إجماع ولا عقل ولا نقل ، إذ لا معنى للإجماع في محلّ الخلاف ، والعقل غير مستقلّ بإدراك الوجوب على هذا الوجه خصوصا إذا اريد منه ما يعاقب على تركه ، وليس في الأدلّة النقليّة أيضا ما يشهد بذلك ، فالأصل عدم الوجوب.
وإن اريد به الوجوب الشرطي على معنى كون الفحص والمحاسبة شرطا للعمل بأصل البراءة في نفي وجوب الحجّ والزكاة.
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٤٤٥.