ـ فيمن أطال الجلوس في بيت التخلية استماعا للغناء ـ : « ما كان أسوأ حالك لو متّ على هذه الحالة (١) » ، ثمّ أمره بالتوبة وغسلها بعد ما تلى عليه قوله تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً )(٢) مع اعترافه بجهله بقوله : « كأنّي لم أسمع من كتاب الله هذه الآية » وما ورد في تفسير قوله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ )(٣) من أنّه يقال للعبد : هلاّ علمت؟ فإن قال : نعم ، قيل : فهلاّ عملت؟ وإن قال : لا فقيل له هلاّ تعلّمت حتّى تعمل (٤)؟
وما عن القمّي في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) نزلت فيمن اعتزل عن أمير المؤمنين ولم يقاتلوا معه ( قالُوا : فِيمَ كُنْتُمْ؟ قالُوا : كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ) ـ أي لم نعلم [ مع ] من الحقّ ـ فقال الله تعالى : ( أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها ) ـ أي دين الله وكتابه واضحا متّسعا فتنظروا فيه (٥) فترشدوا وتهتدوا به سبيل الحقّ إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع فائدتان :
الاولى : إنّ الجاهل التارك للفحص إنّما يعاقب على مخالفته الواقع في واقعة لو فحص فيها لوصل إلى الواقع وأدركه ، لاندراجه حينئذ في الجاهل المتمكّن من العلم المنجّز عليه التكليف ، على معنى صيرورة الحكم الواقعي في حقّه تكليفا فعليّا بتحقّق شرطه ، وهو العلم الإجمالي مع التمكّن من العلم التفصيلي ، فمخالفته الواقع مخالفة لهذا التكليف الفعلي ، وهو المؤثّر في استحقاق العقاب لا غير. بخلاف ما لو لم يكن كذلك ، بأن ترك الفحص في واقعة لو فحص فيها لم يصل إلى الواقع ، فإنّه ممّا لا يصحّ مؤاخذته ولا عقابه ، لعدم تمكّنه في الواقع من العلم بالحكم الواقعي ، فلم يتنجّز عليه التكليف لانتفاء شرطه ، فليس مخالفته مخالفة للتكليف الفعلي. ومخالفة الواقع ما لم يؤدّ إلى مخالفة التكليف الفعلي لم يؤثّر في مؤاخذة ولا عقاب.
الثانية : أنّ الواقع الّذي يستحقّ العقاب على مخالفته أعمّ من الواقعي الأوّلي والواقعي الثانوي النائب عن الواقعي الأوّلي ، مثلا لو ارتكب شرب التتن تعويلا على أصل البراءة من غير فحص وكان حكمه المجعول في الواقع من حيث هو هو الحرمة بحيث لو فحص لظفر عليها مع ورود رواية فيه مقتضية لإباحته ، فكان حكمه المجعول له من حيث قيام الأمارة الظنّية به الإباحة المعبّر عنها تارة بالحكم الظاهري واخرى بالواقعي الثانوي ، أو كان
__________________
(١) الوسائل ٢ : ٩٥٧ ، الباب ١٨ من أبواب الأغسال المسنونة ، ح ١.
(٢) الإسراء : ٣٦.
(٣) الأنعام : ١٤٩.
(٤) أمالي الطوسي : ٩ ، المجلس الأوّل ، وتفسير الصافي ٢ : ١٦٩.
(٥) تفسير القمّي ١ : ١٤٩.