حكمه المجعول له من حيث هو هو الإباحة مع ورود أمارة فيه مقتضية لحرمته ، فكانت الحرمة حكمها الواقعي الثانوي بحيث لو فحص فيه لظفر على الأمارة الدالّة عليه ، فيعاقب في الأوّل على مخالفته الواقعي الأوّلي وفي الثاني على مخالفته الواقعي الثانوي ، ولا عبرة بمطابقة الواقعي الثانوي في الأوّل ولا بمطابقة الواقعي الأوّلي في الثاني.
وبالجملة مطابقة العمل الواقعي الثانوي على تقدير مخالفة الواقعي الأوّلي لا تؤثّر في رفع العقاب على المخالفة. كما أنّ المطالبة للواقعي الأوّلي على تقدير مخالفة الواقعي الثانوي لا تؤثّر في رفع العقاب على المخالفة.
وأمّا الجهة الثانية : في حكم العمل الواقع من الجاهل التارك للفحص من حيث الصحّة والفساد ، ومن حيث إنّ العمل قد يكون من قبيل المعاملات من عقد أو إيقاع أو غيرهما من الأسباب الشرعيّة كالتذكية ، وقد يكون من قبيل العبادات ، فلا بدّ أن نبحث تارة عن صحّته وفساده إذا كان معاملة ، واخرى عنهما إذا كان عبادة.
أمّا المعاملات : فالمراد بالأصل المعمول به فيها من غير فحص هو أصل العدم لنفي جزئيّة شيء كالقبول في الوقف ، أو شرطيّة شيء كالعربيّة أو بلوغ المتعاقدين في العقد وفري ما عدا الحلقوم من الأوداج في التذكية ، أو مانعيّة شيء كرهانة المبيع في البيع. لا البراءة بمعنى فراغ الذمّة عن التكليف حتّى يقال : إنّه لا يجري في المعاملات. كما أنّ المراد بالاحتياط حيثما استعمل في المعاملات هو تحصيل الواقع لا ما يرادف قاعدة الاشتغال حتّى لا يجري فيها.
فنقول : الأصحّ أنّ المدار في صحّة معاملات الجاهل التارك للفحص وجودا وعدما على مطابقة الواقع وجودا وعدما بلا مدخليّة للفحص وعدمه فيهما ، فما طابق الواقع صحيح وإن لم يفحص فيه ، وما خالف الواقع فاسد وإن فحص فيه. فالصحّة والفساد من الأحكام الوضعيّة في المعاملات ليسا بحيث يتبدّل أحدهما بالآخر بسبب حصول الفحص وعدمه ، بأن ينقلب الفاسد الواقعي صحيحا بالفحص والصحيح الواقعي فاسدا بعدم الفحص.
وإن شئت فافرض العلم والجهل مكان الفحص وعدمه ، فإنّ العلم والجهل لا مدخليّة لهما في الأحكام الوضعيّة حتى الصحّة والفساد. فلو أوقع عقدا باعتقاد الصحّة وهو في الواقع مخالف للواقع كان فاسدا ، ولو أوقعه باعتقاد الفساد وهو في الواقع مطابق للواقع كان صحيحا في الواقع ، ولو أوقعه مع الشكّ في الصحّة والفساد فانكشف المطابقة كان صحيحا ، أو انكشف المخالفة كان فاسدا. وذلك لأنّ المعاملات من العقود والإيقاعات وغيرها