أسباب واقعيّة لمسبّبات هي الآثار المترتّبة عليها لما بينهما من الملازمة الواقعيّة ، كتملّك الأعيان في البيع وتملّك المنافع في الإجارة ، وحلّية البضع في النكاح ، وزوال قيد النكاح في الطلاق ، وحلّية اللحم وطهارته في التذكية ، وهكذا إلى آخر الآثار الشرعيّة بالقياس إلى أسبابها. وصحّة المعاملة عبارة عن كونها بحيث تترتّب عليها تلك الآثار ، والحيثيّة إشارة إلى مطابقتها الواقع. ومعنى مطابقتها احتواؤها لجميع الشرائط الواقعيّة المعتبرة في الصحّة ، وليس العلم باحتوائها لها من شرائط الصحّة ولا الجهل بها من موانعها ، بل معاملات الجاهل التارك لطريق الاجتهاد والتقليد من حيث إناطة صحّتها الواقعيّة وفسادها الواقعي بالمطابقة والمخالفة للواقع ليست إلاّ كمعاملات المجتهد المطابق لاجتهاده ومعاملات المقلّد المطابق لفتوى مجتهده ، فإنّها منهما أيضا لا تصحّ ولا تفسد في الواقع إلاّ بالمطابقة وخلافها ، ويظهر الثمرة في صورة كشف الخلاف.
لا يقال : فعلى هذا يلزم كون الاجتهاد والتقليد في المعاملات لغوا ، إذ لا فائدة فيهما بعد إناطة الصحّة والفساد بمطابقة الواقع وخلافها ، فيلزم أن لا يجب شيء منهما.
لأنّها نقول : إنّ الاجتهاد والتقليد طريقان إلى الحكم الظاهري وهو الصحّة الظاهريّة على معنى ترتيب آثار الصحّة في الظاهر ، والفساد الظاهري وهو عدم ترتيب آثار الصحّة في الظاهر ، ففائدتهما معرفة الحكم الظاهري. وهذه الفائدة ليست حاصلة للجاهل التارك للفحص الّذي هو تارك الطريقين ، فإنّ الفحص فيمن له رتبة الاجتهاد عبارة عن الاجتهاد وهو استفراغ الوسع في الأدلّة ، وفيمن ليس له رتبة الاجتهاد وهو العامي عبارة عن التقليد وهو السؤال عمّن له أهليّة الفتوى.
فظهر أنّ في المقام مسألتين :
إحداهما : أنّ الفحص بسلوك أحد الطريقين لا يوجب صحّة المعاملة في الواقع لو كانتا فاسدة في الواقع.
واخراهما : أنّ عدم الفحص بترك سلوك الطريقين لا يوجب فساد المعاملة في الواقع لو كانت صحيحة في الواقع ، وهذا هو المعروف بين الأصحاب والمشهور عندهم شهرة عظيمة تبلغ الإجماع ، وربّما نفي عنه الخلاف إلاّ ما حكاه بعض مشايخنا (١) عن بعض مشايخه المعاصرين له وهو الفاضل النراقي في مناهجه (٢) فإنّه ـ بعد ما ذكر عدم تعرّض الأكثر
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٤٢٣.
(٢) مناهج الأحكام : ٣١٠.