لمعاملات تارك الطريقين إلاّ السيّد الشارح للوافية المصرّح بعدم احتياجها إلى الأخذ من المجتهد وكفاية فعلها مطابقا للواقع في صحّتها ـ عمد إلى تحقيق المقام وبناه على مقدّمتين :
إحداهما : أنّه لا تكليف فوق العلم والاعتقاد ، ويلزم أنّه لو اعتقد أحد ترتّب أثر على شيء ولم يحتمل خلافه يترتّب عليه ذلك الأثر في حقّه. ومن فروعه أنّ من اعتقد حلّية المعقود عليها بعقد باطل واقعا تحلّ عليه مادام معتقدا بها ، كما تحلّ الأجنبيّة باعتقاد أنّها زوجته ، ومن اعتقد حرمة المعقود عليها بعقد صحيح واقعا تحرم عليه ما دام معتقدا بالحرمة ، كما تحرم الزوجة باعتقاد أنّها أجنبيّة.
ثانيتهما : أنّ جميع العقود والإيقاعات بل كلّما جعله الشارع سببا أو شرطا أو مانعا لها حقائق واقعيّة وهي ما قرّره الشارع أوّلا ، وحقائق ظاهريّة وهي ما يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع ، وهي قد تطابق الواقعيّة وقد تخالفها. ولمّا لم يكن لنا سبيل إلى الحقائق الواقعيّة وكان التكليف بما فوق الوسع قبيحا فالسبب والشرط والمانع في حقّنا هي الحقائق الظاهريّة.
ومن المعلوم بالضرورة والإجماع أنّ ترتّب الآثار على الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، فقد يترتّب الأثر بالنسبة إلى شخص ولا يترتّب بالنسبة إلى آخر. فالماء القليل الملاقي للنجاسة نجس في حقّ القائل بكون ملاقاة النجاسة سببا لتنجّس القليل ، وطاهر في حقّ القائل بعدم كونها سببا له. والذبيحة المقطوع حلقومها فقط حلال بالنسبة إلى مجتهد يرى كون قطع الحلقوم سببا للحلّية ، وحرام بالنسبة إلى مجتهد لا يراه كافيا في الحلّية. وإيقاع العقد بالفارسيّة سبب للتملّك والزوجيّة عند مجتهد دون آخر ، ولم يقل أحد بأنّ ما هو سبب عند مجتهد يجب أن يكون سببا عند كلّ الناس ، فلم يقل أحد بأنّ المجتهد الّذي لا يكتفي بالفارسيّة في العقد إذا أتى بالعقد الفارسي يترتّب عليه الأثر بالنسبة إليه.
نعم إنّما يترتّب عليه الأثر عند من يكتفي بها ومقلّديه.
ثمّ بعد تمهيد هاتين المقدّمتين أخذ بتحقيق المقام ، وجعل تارك الطريقين فيما أوقعه من المعاملة عقدا أو إيقاعا أو غيرهما ثلاثة أقسام :
الأوّل : أن يكون معتقدا لترتّب الأثر غافلا عن احتمال عدم ترتّبه.
الثاني : أن لا يكون غافلا بل كان لتركه التقليد مسامحة ملتفتا إلى احتمال عدم ترتّب