واورد عليه تارة : بأنّ قوله عليهالسلام : « ما لم يعلموا » ظاهر فيما لم يعلم حكمه مطلقا ، حتّى حكمه العامّ المستفاد من أدّلة الاحتياط ، والحكم المذكور على صحّة هذا الفرض مسلّم ، لبداهة الإباحة فيما لم يعلم وجوبه أو حرمته خصوصا ولا عموما ، فلا ينهض الرواية على محلّ الاستدلال ، لأنّ قصارى ما لم يعلم في الواقعة إنّما هو الحكم الخاصّ ، وأمّا الحكم العامّ فليس ممّا لم يعلم لمكان أخبار الاحتياط القاضية بوجوبه.
وفيه : أنّ الحكم العامّ أيضا بعد منع نهوض أدلّة الاحتياط لإثبات الوجوب غير معلوم ، هذا مع أنّ ظاهر الرواية في متفاهم العرف تعليق الحكم بالسعة على عدم العلم بالحكم الخاصّ ، وهذا في نفسه ينفي وجوب الاحتياط.
وبذلك اندفع ما قيل : من أنّ الاخبارييّن لا ينكرون عدم وجوب الاحتياط على من لم يعلم وجوبه من العقل والنقل بعد التأمّل والتتبّع ، فإنّ هذه الرواية تدلّ على عدم وجوب الاحتياط في الشبهات ، وعلى الاخباريّين إثبات وجوبه فيها ، وحينئذ تطرح هذه الرواية لا أنّه يناقش في دلالتها.
واخرى : بمنع نهوض الرواية على المطلوب ، إذ غاية ما تدلّ عليه إنّما هو كون الناس في سعة ما داموا جاهلين ، فلا يندرج فيه العالم بالحكم ولو إجمالا ، والعلم الإجمالي بالحكم حاصل في المقام ، لبداهة العلم بأنّ في الشريعة واجبات ومحرّمات.
وفيه : أنّها بإطلاقها بل عمومها تفيد الرخصة مطلقا ولو مع العلم الإجمالي المذكور ، فإنّ « الناس » من اسم الجمع المحلّى فيعمّ العالم بالإجمال وغيره إن فرض وجوده ، مع ظهور قوله عليهالسلام : « ما لم يعلموا » في عدم العلم التفصيلي بالخصوص.
نعم يمكن المناقشة في الاستدلال بها بمنع ورودها لتأسيس أصل البراءة ، بل لتأسيس أصل آخر مجمع عليه وهو أصالة ، الطهارة ، الّتي ورد بها الخبر المستفيض المتلقّى بالقبول « كلّ شيء نظيف حتّى يعلم أنّه قذر (١) » نظرا إلى أنّ النجاسة أيضا ضيق ، فمعنى كونهم في سعة عدم كونهم في ضيق النجاسة ما لم يعلموا بها.
وممّا يشعر به ما في ذيل خبر السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام : « أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها ، وفيها سكّين ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل ، لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإذا جاء طالبها
__________________
(١) الوسائل ٢ : ١٠٥٤ الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، ح ٤.