لحدوث اليقين والشكّ معا ، بأن يكون متعلّق اليقين هو الزمان السابق ومتعلّق الشكّ هو ذلك الزمان اللاحق الّذي هو ظرف لحدوثيهما.
وما يقال : من أنّ اليقين والشكّ متناقضان فلا يجتمعان معا ، معناه أنّهما لا يجتمعان في متعلّق واحد في زمان واحد ، لا أنّهما لا يجتمعان في زمان واحد مع تعدّد متعلّقيهما.
والمراد بالشكّ اللاحق أن يكون متعلّق الشكّ هو الزمان اللاحق وإن كان ظرف حدوثه زمان سابق عليه لا خصوص ما يكون الزمان اللاحق ظرفا لحدوثه أيضا ، فلو حصل اليقين بعدالة زيد في وقت وشكّ معه في بقائها في الأزمنة المتأخّرة عنه ليجري عليه أحكام العدالة من هذا الوقت في الأزمنة المتأخّرة استصحابا.
وعليه مبنى النيابات والوكالات والوصايا فيما إذا لوحظ وصف العدالة حين العقد في النائب والوكيل والوصي مع تأخّر زمان العمل عن زمان العقد ولو بكثير. وإذا عرفت أركان الاستصحاب فاعلم : أنّ هاهنا عدّة أشياء ربّما تعدّ من الاستصحاب صورة وليست منه حقيقة لخروجها عن مسمّاه الاصطلاحي ، بل معناه اللغوي أيضا ، كالاستصحاب القهقري ، والاستصحاب في الشكّ الساري ، والاستصحاب العرضي ، واستصحاب الشيء مع تبدّل موضوعه ، والاستصحاب في الأحكام العقليّة ، فإنّ الأوّل عكس قانون الاستصحاب ، لأنّه عبارة عن تعدية الحكم اليقيني في الآن اللاحق إلى الآن السابق المشكوك في تحقّقه فيه ، فلا يكون ذلك استصحابا حتّى لغة ، لانتفاء طلب الصحبة فيه ، بل هو عند التحقيق غير معقول لامتناع اعادة المعدوم.
والثاني ليس معه يقين سابق لتعلّق الشكّ بالحدوث والبقاء ، وإن سبقه الاعتقاد بالحدوث لزواله بسراية الشكّ.
و [ الثالث ](١) فيما كان له جهتان ذاتيّة وعرضيّة مع كون الجهة الاولى مشكوكة من بدو الأمر والثانية منتفية وقد لحقها ما يرفعها ، كالحيوان المتولّد من كلب وغنم مع كون امّه الكلب من دون أن يشبه أحد أبويه ولا مماثل له يتبعه في الحكم طهارة ، فإنّه إذا غسل بالماء ثمّ استصحب نجاسته السابقة على الغسل كان ممّا انتفى معه أحد ركنيه اليقين السابق إن اريد استصحاب نجاسته الذاتيّة ، أو الشكّ اللاحق إن اريد استصحاب نجاسته العرضيّة.
__________________
(١) وفي الأصل : « الثاني » بدل « الثالث » والصواب ما أثبتناه في المتن نظرا إلى السياق ولعلّه سهو منه قدّس سره.