وهو على الثاني عند قائليه حكم تعبّدي ظاهري موضوعه الجاهل بالبقاء الّذي سبقه يقين الحدوث ، ومناطه عدم العلم بالارتفاع ، سواء شكّ في البقاء والارتفاع على وجه التساوي أو ظنّ البقاء أو ظنّ الارتفاع. ومبناه على الاعتماد على الأخبار كما عرفت. ومنهم من جمع بين الطريقين كبعض الأعلام (١) فاعتبره تارة من حيث الظنّ وتارة من حيث التعبّد. ومرجع الاختلاف في حجّيّته على الطريقة الاولى إلى النزاع في أمر صغروي ، وهو حصول الظنّ بالبقاء بملاحظة الحالة السابقة على ما ظهر من عبارة العضدي المتقدّمة.
وهاهنا نزاع آخر على القول بكون اعتباره من باب الظنّ ربّما يستشمّ من كلماتهم ، وهو أنّ المعتبر من الظنّ الاستصحابي هل هو الظنّ الشخصي ـ وهو كون مناط حجّيّة الظنّ الفعلي في جميع مجاريه وكلّ من أشخاصه ـ أو الظنّ النوعي ، وهو كونه بحيث لو خلّي وطبعه يفيد ظنّ البقاء وهو كاف في جواز العمل به وإن لم يفد بعض أشخاصه الظنّ لعارض؟ فالمعهود من طريقة الفقهاء في مجاري الاستصحاب من أبواب العبادات والمعاملات والأحكام على ما يعلم بأدنى تتبّع عدم توقيفهم الاستصحاب على إفادة الظنّ الفعلي في خصوص المقام ، وأخذهم بمقتضيات الاصول العدميّة والوجوديّة من دون مراعاة أن يكون الآخذ بها ظانّا ببقاء الحالة السابقة.
وبالجملة المعهود من طريقة العاملين بالاستصحاب من الأصحاب الاكتفاء بنوعه على أنّه لو خلّي وطبعه من أسباب الظنّ ، ولا يلتزمون شخص الظنّ في كلّ مورد. وعلى هذا فلا يتفاوت حال الاستصحاب في الأحكام الكلّية بالنظر إلى الأشخاص ولا بتفاوت الأزمان ولا باختلاف الأوضاع.
نعم ربّما يظهر الوقوف على الظنّ الشخصي من شيخنا البهائي في كلام له محكيّ عن الحبل المتين في باب الشكّ في الحدث بعد يقين الطهارة ، قائلا : « لا يخفى أنّ الظنّ الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لا يبقى على نهج واحد ، بل يضعّف بطول المدّة شيئا فشيئا ، بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان ، بل ربّما يصير الراجح مرجوحا كما إذا توضّأ عند الصبح وذهل عن التحفّظ ثمّ شكّ عند المغرب في صدور الحدث منه ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت ، والحاصل أنّ المدار على الظنّ فما دام باقيا فالعمل عليه وإن ضعف » انتهى (٢).
__________________
(١) القوانين ٢ : ٥٧ ـ ٥٩.
(٢) الحبل المتين : ٣٧.