باستصحاب البراءة فيما إذا حكم العقل به قبل الوجود أو قبل التميّز لقبح خطاب المعدوم وغير المميّز ، ثمّ شكّ في بقائه بعد الوجود والتميّز ، ولا كلام بل لا إشكال في جواز استصحابه حال الشكّ ، ولا يقدح فيه ارتفاع القضيّة كما يقدح في استصحاب الأحكام العقليّة الوجوديّة ، لعدم كون مستند الحكم في الحقيقة هذه القضيّة العقليّة ، بل مستنده إنّما هو انتفاء المقتضي للتكليف وهو خطاب الشرع ورودا وتوجّها ، لما عرفت من أنّ العقل إنّما يحكم بالعدم في العدميّات لعدم وجود علّة الوجود الّذي منه انتفاء المقتضي ، والقضيّة العقليّة المذكورة وهو قبح خطاب المعدوم والغير المميّز إنّما تلاحظ لاحراز انتفاء المقتضي لا لأصل الحكم بعدم التكليف ، وارتفاع القضيّة العقليّة بعد الوجود والتميّز الّذي هو عبارة عن عدم حكم العقل حينئذ بقبح الخطاب بل حكمه بعدم قبحه يحصل له الشكّ في وجود المقتضي ، وهو توجّه خطاب الشرع وعدمه ، فيستصحب عدم التكليف السابق ويكون ذلك من الاستصحاب للشكّ في المقتضي.
ولا يرد عليه : أنّ اللازم حينئذ صحّة استصحاب عدم وجوب الصلاة مع السورة أو غيرها من الأجزاء أو الشرائط لناسي شيء منها الثابت حال النسيان فيما بعد التذكّر في الوقت ، كما عن بعضهم من الميل إلى اجزاء عمل الناسي في موارد نسيانه تمسّكا بهذا الاستصحاب ، بتقريب : أنّ الصلاة مع السورة مثلا لم يكن واجبا على هذا الشخص قبل التذكّر فيستصحب بعده ، مع أنّ رأي المحقّقين قد استقرّ على بطلانه.
لأنّ استصحاب عدم التكليف الثابت حال النسيان بعد التذكّر ليس في مجراه ، لا لما قد يقال من انتفاء موضوع المستصحب ـ لعدم كون موضوع عدم التكليف المذكور هو هذا الشخص من حيث هو ، بل الناسي أو هذا الشخص من حيث إنّه ناس ، وهذا بعد التذكر غير باق ـ وإلاّ لزم أن لا يصحّ استصحاب عدم التكليف الأزلي ولا الثابت حال عدم التميّز أيضا لعدم بقاء موضوعه وهو المعدوم وغير المميّز ، بل لعدم جريان الاستصحاب مع وجود الدليل على خلاف المستصحب وهو عموم خطابات التكليف لما بعد النسيان ، فإنّ ناسي السورة مثلا إذا زال نسيانه فيتوجّه إليه عموم قوله : « صلّ مع السورة » لعدم كون ما أتى به هو الصلاة مع السورة ولا بدلا عنها ، ومعه لا معنى لاستصحاب عدم وجوب الصلاة مع السورة.
والفارق بينه وبين ما نحن فيه أنّ عدم التكليف في المقامين وإن كان حكما عقليّا ومستندة فيهما إنّما هو انتفاء المقتضي للتكليف وهو توجّه الخطاب ، المحرز فيهما معا بقبح