الخطاب ، إلاّ أنّه في مسألة الناسي لوجود المانع عن صحّته وهو النسيان ، وإذا ارتفع المانع توجّه الخطاب لتحقّق جميع شرائط صحّته العقليّة والشرعيّة ، وفيما نحن فيه لفقد شرط صحّته عقلا وهو الوجود وادراك الخطاب وفهم معناه ، وإذا صار المعدوم موجودا وغير المميّز مميّزا حصل الشرط العقلي وبقي الشكّ في كون البلوغ شرطا شرعيّا مثلا وعدمه ، أو في صدور أصل الخطاب فيما بعد البلوغ أيضا في موارد فقد النصّ ، وقضيّة ذلك جريان استصحاب عدم التكليف السابق فيما نحن فيه دون مسائل النسيان.
نعم يبقى في المقام سؤال آخر من جهة تبدّل موضوع المستصحب لفرض صيرورة المعدوم موجودا وغير المميّز مميّزا ، وعدم التكليف السابق إنّما ثبت للمعدوم وغير المميّز لا غير.
ولكن يدفعه : منع مدخليّة وصف المعدوميّة وغير المميّزية في موضوعيّة الموضوع ، بكونهما قيدين فيه ليكون زوالهما تبدّلا له ، بل نظير الإسكار في الخمر الّذي يقال : انّه حرام لأنّه مسكر ، والتغيّر في الماء المتغيّر بالنجاسة المحكوم عليه بالنجاسة ، والعالميّة في زيد العالم المأمور باكرامه لخصوصيّة فيه غير العالميّة حيث يعتبر الوصف لمجرّد التعريف ، فكما أنّ الموضوع في هذه الأمثلة هو الذات والوصف المأخوذ فيه علّة للحكم كما في الأوّلين ، أو معرّف للموضوع كما في الأخير فكذلك في المعدوم وغير المميّز ، فإنّ موضوع عدم التكليف فيهما هو الذات لا بشرط وصف العدم وعدم التميّز ، والوصف المأخوذ معها علّة لكن لا لنفس هذا الحكم العدمي بل لقبح الخطاب الّذي يحرز به انتفاء علّة التكليف فيحكم العقل بملاحظته بعدمه.
لا يقال : ما معنى الذات بالقياس إلى المعدوم مع أنّه ليس بشيء خارجا ولا ذهنا ، إذ ليس المراد بها ما يرادف العين بل ما يقابل الوصف ، ومحصّل المراد منها في المعدوم الشيء الّذي يفرضه العقل ويلاحظه باعتبار انتفاء علّة وجوده ويطلق عليه المعدوم بهذا الاعتبار ، ثمّ بعد وجوده الّذي هو عبارة عن طرد العدم يطلق عليه الموجود.
فإن قلت : إنّ ذلك مجرّد فرض واعتبار والفرض لا يحقّق المفروض ، فليس في المعدوم شيء يصلح موضوعا ، فعدم التكليف من حيث حالته السابقة عدم لا في الموضوع ، وعلى تقدير انسحابه إلى الآن اللاحق يصير عدما في الموضوع ، وكيف يجامع استصحابه؟ لما سيأتي تحقيقه من أنّ الاستصحاب يعتبر فيه للمستصحب موضوع محرز من الزمان السابق إلى الآن اللاحق.