قلت : هذا على ما سنقرّره إنّما هو فيما لو كان المستصحب أمرا وجوديّا ، فإنّه يقتضي موضوعا محرزا من الزمان السابق إلى الآن اللاحق ، لأنّه من مقولة العرض وهو ما لو وجد في الخارج وجد في الموضوع ، بخلاف ما لو كان عدميّا فإنّه ليس أمرا واقعيّا يقتضي في جميع آناته موضوعا محقّقا يتقوّم به ، بل هو مفهوم اعتباري صرف يعتبره العقل عند انتفاء [ علّة ] الوجود.
غاية الأمر أنّه من باب المقارنة الاتفاقيّة قد يتحقّق في أمر موجود محقّق كعدم التكليف بالقياس إلى غير المميّز ، وقد يتحقّق في أمر معدوم صرف كعدم التكليف بالقياس إلى المعدوم ، فالمقصود من المستصحب هو العدم لا بشرط كونه في الموضوع ولا بشرط كونه لا في الموضوع الثابت في آن لم يكن ثمّة تكليف ولا من يتقوّم به التكليف ، فإذا انقطع بالنسبة إلى الثاني بقي بالنسبة إلى الأوّل على حاله إلى أن يحصل الشكّ في انقطاعه أيضا وعدمه ، فيصحّ استصحابه من دون مانع.
لا يقال : إذا كان المحرز لانتفاء علّة وجود التكليف هو القضيّة العقليّة على ما ذكرت وهو قبح خطاب المعدوم أو غير المميّز ، لزم من ارتفاعها تحققّ علّة الوجود ومعه ينبغي القطع بالتكليف ، فما معنى الشكّ؟
لأنّ العلّة إذا كانت مركّبة من أجزاء فانتفاء كلّ جزء علّة تامّة لعدم المعلول ، ولا يلزم من وجود أحدها وجوده ، ولا ريب أنّ لكلّ من وجود المكلّف وتميّزه مدخليّة في وجود الخطاب المقتضي للتكليف ، والشكّ فيه مع تحقّقهما إنّما هو بواسطة الشكّ في مدخليّة البلوغ أيضا مثلا وعدمها ، فوجود العلّة التامّة لوجود المقتضي للتكليف غير محرز ، فيستصحب عدم التكليف المشكوك بقاؤه باعتبار الشكّ في المقتضي.
نعم ينبغي القطع بعدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقليّة الوجوديّة كقبح الظلم ، وقبح تكليف ما لا يطاق ، وقبح الكذب الضارّ ، ووجوب ردّ الوديعة لكون الامتناع عنه ظلما ، وقبح لطم اليتيم لكونه ظلما.
وبالجملة كلّ حكم عقلي ضروري أو نظري منته إلى الضروري ، لاستحالة وقوع الشكّ في القضايا العقليّة.
وتوهّم جريانه بالقياس إلى الحكم الشرعي التابع للحكم العقلي كحرمة الظلم ، ووجوب ردّ الوديعة ، وحرمة الكذب وما أشبه ذلك.