يدفعه : أنّ اللازم لا ينفكّ عن الملزوم ، فما لم يرتفع القبح عن الظلم لم يرفع عنه الحرمة ، والأوّل محال فكذا الثاني ، بخلاف القضايا الشرعيّة المتلقّاة من الشارع ولو بواسطة الإجماع ، ومنها نجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة. والفارق أنّ منشأ الشكّ في بقاء الحكم الشرعي إنّما هو ما طرأ دليل ذلك الحكم من الإهمال والإجمال ، وهو في القضايا العقليّة محال ، فإنّها منحصرة في المحصورة الكلّيّة أو الطبيعيّة الآئلة إلى المحصورة ، ولا يتحقّق فيها قضيّة مهملة ، لأنّ العقل ما لم يلاحظ موضوع القضيّة بجميع جهاته وخصوصيّاته ولم يأخذ معه من الخصوصيّات ما هو قيد له لم يحكم عليه بشيء من الحسن والقبح.
وأمّا الشرعيّات فوقوع المهملة فيها باعتبار نظر المكلّفين في غاية الكثرة والشيوع ، مثلا قوله : « الماء المتغيّر بالنجاسة نجس » سواء اخذ من الإجماع أو من الأخبار لا يدرى أنّه حكم فيه بثبوت المحمول مادام ذات الموضوع ، أو مادام الوصف العنواني موجودا؟وقوله : « المتيمّم إذا دخل في الصلاة يجب عليه المضيّ فيها » لا يدرى أنّه قضيّة مطلقة أو مقيّدة بعدم رؤية الماء في الأثناء.
ومن ذلك بطل توهّم عدم الفرق بين حال الإجماع وحال العقل لجامع كونهما لبيّين ، وكما أنّ الأوّل يصحّ استصحابه فكذا الثاني ، لعدم كون اللبيّة هي الجهة المانعة من الاستصحاب ولا المقتضية له ، بل الجهة الفارقة بينهما وقوع الإهمال في الأوّل دون الثاني فإنّ القدر المتيقّن من معقد الإجماع على نجاسة الماء المتغيّر بالنجاسة هو النجاسة حال التلبّس بوصف التغيّر لا ما بعده ، فيكون السنّة المكشوف عنها بذلك الإجماع مجملة بين الإطلاق والتقييد.
وقد يفرض استصحاب حال العقل فيما يثبت بقاعدة الاشتغال الّتي هي أيضا من القضايا العقليّة ، كوجوب الصلاة مع السورة عند الشكّ في جزئيّة السورة مثلا بعد تيقّن الاشتغال بالصلاة. وحينئذ فإذا طرأ نسيان السورة في صلاته يحكم بعدم الإجزاء استصحابا لوجوب الصلاة مع السورة الثابت قبل الإتيان بهذا العمل ، بالعقل الحاكم باستدعاء الشغل اليقيني للبرء اليقيني.
ويزيّفه : أنّ مناط قاعدة الشغل هو اليقين بالتكليف والشكّ في المكلّف به مع وجود القدر المتيقّن ممّا يحصل به البراءة ، وهذا المناط كما كان متحقّقا قبل الإتيان بهذا العمل فكذلك يكون متحقّقا بعده. فالقاعدة بنفسها جارية بعده أيضا قاضية بوجوب الإعادة ، ومعه