لا معنى للاستصحاب ، ومرجعه إلى اليقين ببقاء الحكم الظاهري المستند إلى العقل ، ومعه لا يعقل الاستصحاب.
نعم ربّما يتوهّم وقوع الشكّ في الأحكام العقليّة باعتبار اشتباه الموضوع وإن لم يقع فيها شكّ باعتبار اشتباه الحكم ، كالشكّ في قبح الكذب باعتبار اشتباه حال المكلّف بين الاضطرار إليه لدفع ضرر لا يتسامح فيه عند العقلاء بناء على أنّ الكذب إنّما يقبح عقلا في غير حال الاضطرار ، وكما لو شكّ في قبح الكذب باعتبار اشتباه كونه ضارّا وفي قبح لطم اليتيم للشكّ في كونه ظلما.
وفيه : ـ مع أنّه ليس شكّا في القضيّة العقليّة ، لأنّ القضيّة في جميع موارد اشتباه الموضوع لا تكون إلاّ شخصيّة وموضوعها هذا الكذب وهذا اللطم مثلا ، وظاهر أنّ موضوع حكم العقل ليس هذا الكذب وهذا اللطم ـ أنّه لا يجدي نفعا في صحّة استصحاب الحكم العقلي حتّى في القضيّة الشخصيّة لانتفاء الشكّ الحالة السابقة. وعليه فعدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقليّة إمّا لانتفاء الشكّ اللاحق لو كان النظر إلى أصل الحكم الكلّي العقلي أو الحكم الشرعي التابع له ، أو لانتفاء اليقين السابق لو كان النظر إلى الحكم الجزئي العقلي أو الشرعي التابع له.
فظهر بجميع ما قرّرناه عدم جريان بحث الاستصحاب والنزاع في حجّيته في استصحاب حال العقل إذا اريد بها الحالة الوجوديّة المستندة إلى العقل ، لعدم جريان الاستصحاب فيها ليجري التكلّم في حجّيته ، فالسالبة باعتبار انتفاء الموضوع ، وأمّا حال العقل بمعنى حكمه العدمي فقد عرفت صحّة استصحابه. وقد يدّعى خروجه عن محلّ النزاع لوقوع الإجماع على حجّيته.
وعن المحقّق (١) والعلاّمة (٢) والفاضل الجواد (٣) الإطباق على العمل به ، وهذا لا يخلو عن تأمّل ، إذ القدر المعلوم الّذي يسلّم الإجماع عليه هو البناء على البراءة والحكم بعدم التكليف في مظانّ الشكّ فيه. وأمّا أنّه باعتبار الاستصحاب والأخذ بمقتضى الحالة السابقة فغير واضح ، لجواز كون مستندهم فيه أصل البراءة الّذي هو أيضا أصل عقلي من جهة قبح التكليف بلا بيان.
وبالجملة لم يظهر من المجمعين على الحكم بالبراءة أنّ مستندهم فيه هو الاستصحاب
__________________
(١) المعارج : ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) تهذيب الوصول : ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
(٣) غاية المأمول : الورقة ١٣٠ ( مخطوط ).