وثالثها : انقسامه إلى كون دليل المستصحب بحيث يدلّ على استمرار الحكم إلى حصول مانع أو إلى غاية معيّنة ، وكونه بحيث لم يدلّ على استمراره إليهما ، والظاهر وقوع النزاع فيهما معا.
ولقد فصّل بينهما المحقّق في المعارج (١) والخوانساري في شرح الدروس (٢) بإنكار الحجّيّة في الثاني وإثباتها في الأوّل مطلقا ، كما هو ظاهر المحكيّ من المعارج (٣) أو بشرط كون الشكّ في دخول الغاية كما ستسمع عن الخوانساري.
ولقد زعم المصنّف في آخر كلامه وتبعه بعضهم أنّ قول المحقّق موافق لإنكار المنكرين مطلقا وليس بشيء ، وستعرف تفصيل القول في ذلك عند شرح عبارة المصنّف.
وأمّا الجهة الثانية : انقسامه باعتبار المستصحب ، وهذا أيضا من وجوه كثيرة :
فمنها : أنّ المستصحب قد يكون أمرا وجوديّا كوجوب شيء وطهارته ونجاسته وحياة زيد ، وقد يكون أمرا عدميّا كعدم التكليف وعدم الرطوبة وعدم الكرّيّة وعدم النقل وعدم القرينة. والظاهر اندارجهما معا في النزاع خلافا لشيخ مشايخنا (٤) رضوان الله عليهم حيث نفى الخلاف عن حجّيّة الاستصحاب العدمي ، ناسبا لدعوى الإجماع على اعتباره في العدميّات إلى استاذه السيّد في الرياض (٥). واستشهد له بعد الإجماع المذكور باستقراء سيرة العلماء على التمسّك بالاصول العدميّة كأصالة عدم القرينة وأصالة عدم الاشتراك وأصالة عدم النقل ونحوها. واستدلالهم على الحجّيّة بعدّة امور لا تجري في الامور العدميّة مثل استغناء الشيء في بقائه عن العلّة ، وكفاية العلّة المحدثة في الحكم به ، مع ظهور استصحاب الحال في عنوانات المسألة في الأمر الوجودي ، وكذلك تعريفهم له بما هو ظاهر فيه.
والإجماع مع نفي الخلاف في مطلق الأمر العدمي غير واضح بل محلّ منع ، ولذا أنكر استصحاب عدم التذكية جماعة منهم صاحب المدارك (٦) وإن كان يظهر دعواه أيضا من التفتازاني في شرح الشرح حيث قال : « وخلاف الحنفيّة المنكرين للاستصحاب إنّما هو في الإثبات دون النفي الأصلي ».
__________________
(١) المعارج : ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) مشارق الشموس : ٧٥ ـ ٧٦.
(٣) المعارج : ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٤) انظر فرائد الاصول ٣ : ٢٧ والمراد بشيخ مشايخه هو المحقّق شريف العلماء المازندراني رحمهالله.
(٥) راجع ضوابط الاصول : ٣٥١.
(٦) المدارك ٢ : ٣٨٧.