والسيرة المدّعاة مع أنّها أخصّ لاختصاصها بباب الألفاظ والاصول اللفظيّة تندفع (١) :
أوّلا : استقرارها أيضا على العمل في باب الألفاظ بالاصول الوجوديّة أيضا كأصالة العموم ، وأصالة الإطلاق ، وأصالة بقاء المعنى اللغوي ، وأصالة بقاء الوضع وآثاره. ويظهر الإجماع على العمل بكلّ من العدميّة والوجوديّة في باب الألفاظ من المحقّق البهبهاني في محكيّة عن الرسالة الاستصحابيّة ، حيث انّه بعد نقل الخلاف فيه وحكاية القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض والقول بإثباته عن آخر والتفصيل عن ثالث ، قال : « لكنّ الّذي نجد من الجميع ـ حتّى من المنكر مطلقا ـ إنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل فيقولون : الأمر حقيقة في الوجوب عرفا فكذا لغة لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون بأصالة بقاء المعنى اللغوي فينكرون الحقيقة الشرعيّة إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبّع » انتهى (٢).
وثانيا : أنّ سيرة العمل على الاصول المذكورة مسلّمة ، لكن كون مبناه على الاستصحاب بإرادة الاستصحاب من تلك الاصول العدميّة غير واضح.
وغاية ما هنالك استقرار بنائهم على البناء على العدم وترتيب آثاره في مقام احتمال النقل أو وجود القرينة أو الاشتراك وتعدّد الوضع ونحو ذلك ممّا يدفع احتماله بالأصل ، وأمّا كونه استصحابا للعدم الأصلي متضمّنا لملاحظة الحالة السابقة بل التعويل عليها فغير معلوم ، فمن الجائز كونه قاعدة اخرى مخصوصة بالألفاظ مأخوذة من العرف وأهل اللسان الكاشف عن جعل الواضع وترخيصه في ذلك عموما بل إلزامه به.
ومن ذلك يندفع أيضا استظهار الخروج عن محلّ النزاع من استصحاب النفي المسمّى بالبراءة الأصليّة ، لتصريح جماعة كالفاضلين والفاضل الجواد وغيرهم بالإطباق على العمل عليه ، لمنع كون البناء على البراءة هنا استصحابا للحالة السابقة كما أشرنا إليه سابقا ، فإنّ البراءة بنفسها أصل عقلي [ مأخوذة ] من قبح التكليف بلا بيان.
وأمّا استظهاره من استصحاب عدم النسخ المصرّح في كلام المحدّثين الاستر آبادي (٣) والبحراني (٤) بعدم الخلاف فيه ، حتّى أنّه مال الأوّل إلى كونه من ضروريّات الدين فهو أوضح منعا ، فإنّ المعهود في مواضع احتمال النسخ إنّما هو العمل على أصالة عدم النسخ وكونها استصحابا ممنوع ، بل ليست إلاّ كأصالة عدم التخصيص وأصالة عدم التقييد ، ولعلّها
__________________
(١) حاشية شرح مختصر الاصول ٢ : ٢٨٤.
(٢) الرسائل الاصوليّة : ٤٢٤ ـ ٤٢٥.
(٣) الفوائد المدنية : ١٤٣.
(٤) الحدائق الناضرة ١ : ٥٣.