إلاّ الاحتياط دون البراءة والاستصحاب ، فإنّهما عندهم مختصّان بالشبهة في الموضوع.
وأمّا القول بالحجّية في الحكم الشرعي الكلّي خاصّة دون غيره مطلقا ، أو في الأمر الخارجي خاصّة دون الحكم الشرعي مطلقا ، فغير موجود وقائله غير مذكور. فما في كلام بعض الأعلام وتبعه غير واحد : من جعل التفصيل بالحجّية في الأحكام الشرعيّة دون الامور الخارجيّة تارة ، والحجّية في الامور الخارجيّة دون الأحكام الشرعيّة اخرى قولان متعاكسان (١) ليس على ما ينبغي ، إذ أصحاب القول الأوّل ينكرون الاستصحاب في الأحكام الكلّية خاصّة وأصحاب القول الثاني يعتبرون الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة خاصّة كلّية أو جزئيّة ، إلاّ أن يراد بالامور الخارجيّة الأحكام الجزئيّة اللازمة للموضوعات الخارجيّة.
ومنها : أنّ المستصحب قد يكون حكما تكليفيّا وقد يكون حكما وضعيّا كالسبب والشرط والمانع ، وهذان قسمان لأحد قسمي التقسيم السابق ، وقد وقع الخلاف فيهما أيضا بإطلاق الحجّية وإطلاق عدمها ، والتفصيل بالحجّية في الثاني دون الأوّل وهو الّذي صار إليه الفاضل التوني في الوافية (٢).
وأمّا الجهة الثالثة : فمن وجوه أيضا :
أحدها : انقسامه باعتبار منشأ الشكّ المأخوذ فيه ، فإنّ الشكّ بهذا الاعتبار ينقسم إلى ما ينشأ من اشتباه حكم شرعي صادر من الشارع وهو المسمّى بالشبهة الحكميّة ، وما ينشأ من اشتباه أمر خارجي وهو المسمّى بالشبهة الموضوعيّة ، والأوّل كالشكّ في نجاسة الماء المتغيّر الناشئ عن الشبهة في كفاية زوال التغيّر بمجرّده في الطهارة أو احتياجه إلى مطهّر شرعي ، والشكّ في طهارة المكلّف المتطهّر بعد خروج المذي الناشئ عن الشبهة في ناقضيّة المذي بحسب الشرع. والثاني على قسمين :
أحدهما : ما لو كان المستصحب المشكوك حكما شرعيّا جزئيّا ، كالشكّ في بقاء الطهارة الناشئ عن الشكّ في حدوث البول أو كون الحادث بولا وما أشبه ذلك.
والاخر : ما لو كان المشكوك فيه أمرا خارجيّا ، كالشكّ في الرطوبة ، والكرّيّة ، والحياة ، ونقل اللفظ عن معناه الأصلي ونحو ذلك.
ويظهر من المحدّث الاستر آبادي في كلام محكيّ له عن الفوائد المدنيّة خروج الشبهات الموضوعيّة وبعض صور الشبهة الحكميّة وهي موارد الشكّ في النسخ عن محلّ
__________________
(١) القوانين ٢ : ٥٧.
(٢) الوافية : ٢٠٢.