عدم الوجود رجحان بقاء الثابت بل كونه مقطوعا به ممّا لا غبار عليه ، إلاّ أنّه خارج عن محلّ فرض الاستصحاب.
وأمّا على تقدير عدم العلم بوجوده فرجحان البقاء محلّ المنع ، لفرض تساوي احتمال عدم وجوده لاحتمال وجوده ، وهو يستلزم تساوي احتمال بقائه مع احتمال عدم بقائه ، ومعه يستحيل كون البقاء راجحا.
نعم لو فرض كون احتمال عدم وجود الرافع راجحا لزمه رجحان البقاء ، إلاّ أنّه ممّا لا موجب له على وجه يطّرد.
ثمّ إنّ تعلّق هذا الجواب بالدليل المذكور محلّ المنع ، لانطباقه على استصحاب الحكم المشكوك في بقائه من جهة الشكّ في المانع ، وظاهر عبارة الدليل إنكار الاستصحاب فيما كان الشكّ في البقاء باعتبار الشكّ في المقتضي ، إلاّ على تقدير اعتبار مشاهدة الماء في أثناء الصلاة أمرا يشكّ في رافعيّته لوجوب المضيّ فيها ، وهو أيضا محلّ المنع كما نبّهنا عليه سابقا ، وعليه فمنشأ الشكّ في البقاء إلى الشكّ في مقدار استعداده وجوب المضيّ فيها للبقاء ، هل هو ما لم يشاهد الماء أو مطلقا؟ فتأمّل.
ومنها : أنّه لو كان الاستصحاب حجّة لوجب فيمن علم زيدا في الدار ولم يعلم بخروجه منها أن يقطع ببقائه فيها ، وكذا يلزم إذا علم بأنّه حيّ ثمّ انقضت مدّة لم يعلم فيها بموته أن يقطع ببقائه ، وهو باطل.
قال المرتضى ـ في عبارته الّتي حكاها المصنّف ـ : « وقد ثبت في العقول أنّ من شاهد زيدا في الدار ثمّ غاب عنه [ أنّه ] لم يحسن أن يعتقد استمرار كونه في الدار إلاّ بدليل متجدّد ، وصار كونه في الدار في الحالة الثانية وقد زالت الرؤية بمنزلة كون عمر وفيها مع فقد الرؤية (١) » انتهى.
وعن المحقّق في المعارج دفعه : « بأنّ لا ندّعي القطع ولكن ندّعي الرجحان والظنّ ببقائه ، وهذا يكفي في العمل به (٢) ». والجزء الأوّل من الجواب في محلّه ، وما عداه أيضا محلّ المنع كما عرفت ، ثمّ يتطرّق المنع إلى جواز العمل بهذا الظنّ كما تقدّم فيما مضى.
ومنها : أنّه لو كان حجّة لزم التناقض ، إذ كما يقال : كان للمصلّي قبل وجدان الماء المضيّ في صلاته. فكذا بعد الوجدان ، كذلك يقال : إنّ وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة
__________________
(١) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٨٣٢.
(٢) المعارج : ٢٠٩.