مطلق الاستصحاب ، لاستلزام الجنسيّة عموم النفي من باب السراية ، إذ النفي الوارد على الطبيعة بناءا على أنّها غير منفكّة عن شيء من أفرادها إنّما ينفيها في ضمن جميع الأفراد ، فيكون لعموم السلب وإلاّ لم يكن لنفي الطبيعة كما لا يخفى.
ولكن يشكل هذا الاحتمال في تتميم الاستدلال بملاحظة أنّ جنسيّة « اللام » وإن كانت يساعد عليها أصالة الحقيقة إلاّ أنّه يعارضها احتمال كونها للعهد بقرينة سبق ذكر مدخول « اللام » على حدّ قوله تعالى : ( أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ )(١) فإنّه ممّا يصلح لصرف « اللام » عن الجنس ، إذ لا قبح في اعتماد المتكلّم عليه في إرادة العهد كما هو ملاك صلاحية كون شيء قرينة.
وبالجملة لا نرى في الاعتماد على سبق الذكر في إرادة العهد قبحا عقليّا ولا ما يأباه في العرف أيضا ، فهو حينئذ إن لم يؤثّر في الصرف عن الحقيقة إلى إرادة غيرها فلا أقلّ يؤثّر لمجرّد الصلاحية المذكورة في منع ظهورها في إرادة الحقيقة ، فتصير بذلك مجملة مردّدة بين الجنس والعهد. وله نظائر كثيرة كالشهرة في المجاز المشهور ، ووقوع الأمر عقيب الحظر ولو توهّما ، وتعقّب العامّ ضميرا يختصّ ببعض أفراده ، والاستثناء الواقع عقيب جمل متعاطفة بالقياس إلى ما عدا الجملة الأخيرة ، فإنّها إن لم تقوم قرينة صارفة للّفظ عن حقيقته إلى مجازه فلا أقلّ من أنّها تصيره صالحا ومتأهّلا لأن يكون المراد منه المعنى المجازي على وجه تساوي احتماله لاحتمال الحقيقة فيصير مجملا. وهذا المعنى في بعض الأمثلة المذكورة وإن كان محلّ منع ، إلاّ أنّ الغرض من ذكرها بيان أنّ كون سبق الذكر باعتبار مجرّد صلاحية كونه قرينة موجبا لإجمال المعرّف باللام ليس بعادم النظير ، ويكفي بشهرة المجاز المشهور على المشهور شاهدا بذلك.
وبالجملة فالاستدلال بالرواية إنّما يتمّ إذا تعيّن كون لام « اليقين » لتعريف الجنس من حيث هو ، وهذا يتوقّف على ثبوت عدم جواز إرادة العهد اعتمادا على سبق الذكر ، وإثباته في غاية الإشكال بل محلّ منع ، لعدم قبح عقلي ولا إباء عرفي في الاعتماد عليه ، بأن يراد من اللفظ بواسطته خلاف ما هو ظاهره ، فانحصر طريق تتميم الاستدلال بالرواية لإثبات عموم الدعوى في طريقة العلّة المنصوصة ، فعليها المعوّل.
ومن الأخبار صحيحة اخرى لزرارة وهي أيضا مضمرة ، رواها الشيخ في التهذيب عن
__________________
(١) المزمّل : ١٥ ـ ١٦.