أحد هذين القسمين : فاللازم من مذهبه عدم حجّيّة الاستصحاب فيما كان الشكّ من جهة المقتضي كما هو مذهب هؤلاء الجماعة ، وفيما كان الشكّ من جهة المانع أيضا لو جعل المستصحب هو الأمر الوجودي لا الأمر العدمي.
فرجع قول هذا القائل بعدم حجّيّة الاستصحاب في الامور الوجوديّة إلى أنّ من الامور الوجوديّة ما كان الشكّ فيه باعتبار المقتضي كالنجاسة في الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه ، ومنها : ما كان الشكّ فيه باعتبار احتمال وجود المانع بمعنى الدافع ، ومنها : ما كان الشكّ فيه باعتبار احتمال وجود المانع بمعنى الرافع ، وأيّا ما كان فلا استصحاب فيه.
أمّا الأوّل : فلعدم شمول قوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين بالشكّ » (١) لما كان الشكّ فيه من جهة المقتضي كما زعمه الجماعة أيضا.
وأمّا الثاني : فلانتفاء الحالة السابقة كما يظهر وجهه بالتأمّل في مثالي استصحاب عدم القرينة واستصحاب عدم التذكية بالقياس إلى حمل اللفظ على الحقيقة والنجاسة والحرمة.
وأمّا الثالث فلأنّ الشكّ في بقاء الأمر الوجودي وارتفاعه مسبّب عن الشكّ في حدوث الرافع له ، والشكّ في بقاء الشيء إذا كان مسبّبا عن الشكّ في شيء آخر فلا يجتمع معه في الدخول تحت عموم « لا تنقض » ، سواء تعارض مقتضي اليقين السابق في الأوّل لمقتضي اليقين في الثاني أم تعاضدا ، بل الداخل فيه بمقتضى الاعتبار العقلي والانفهام العرفي هو الشكّ السببي ، فجرى فيه الاستصحاب دون الشكّ المسبّبي بنفسه ، وإن لزم من عدم الاعتناء بالأوّل عدم الاعتناء بالثاني أيضا كما هو معنى لا ينقض اليقين بالشكّ.
فظهر بعد التوجيه المذكور لهذا القول أنّه يوافق المذاهب الثلاثة المذكورة في الجملة ويخالفها في الجملة.
أمّا الموافقة ففي نفي حجّيّة الاستصحاب في أمر وجودي كان الشكّ فيه من جهة المقتضي.
وأمّا المخالفة ففي قصر الحجّية على الأمر العدمي الّذي هو دائما عبارة عن عدم وجود المانع بالمعنى الأعمّ ـ لا في الأمر الوجودي اللازم وجوده لذلك المستصحب العدمي ـ بل بمعنى الرافع خاصّة ، لأنّ عدم حجّيته في وجوديّ ليس له حالة سابقة وكان الشكّ في ابتداء وجوده لا في بقائه وفاقيّ ، بل إطلاق عدم الحجّية فيه مسامحة من باب سلب الحكم لانتفاء موضوعه ، إذ لا استصحاب فيما ليس له حالة سابقة ليكون حجّة ،
__________________
(١) الوسائل ٥ : ٣٢١ الباب ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ح ٣.