الرافع (١) ومذهب صاحب الفصول القائل به فيما له استعداد البقاء وقابليّة الاستمرار (٢) ، فإنّ هذه المذاهب الثلاث مع استنادها إلى الأخبار متقاربة ، باعتبار اتّحادها موردا وكونها متشاركة في تخصيص الاستصحاب بما كان المقتضي لوجوده المطلق ـ أعني الوجود المسبوق بالعدم والوجود المسبوق بالوجود ـ المعبّر عن الأوّل بالحدوث وعن الثاني بالبقاء محرزا وكان الشكّ في البقاء والارتفاع باعتبار احتمال طروّ ما يرفعه ، فهؤلاء مطبقون على القول باستصحاب الطهارة في المتطهّر إذا طرأه الشكّ في الحدث ، إلاّ أنّ الخوانساري يقول باستصحابها لأنّها ما دلّ الدليل على استمرارها بعد الوضوء أو الغسل الّذي هو المقتضي لها إلى غاية حصول الحدث. والسبزواري يقول به لأنّها ما شكّ في بقائها من جهة المانع ، وصاحب الفصول يقول به لما فيها من استعداد البقاء وقابليّة الاستمرار ، وهذا القائل أيضا يقول بالاستصحاب في نحو هذا المورد الّذي ضابطه كون المقتضي محرزا وكون الشكّ من جهة المانع.
غاية الأمر في الفرق بين مختاره ومختار هؤلاء أنّهم في نحو المثال المذكور يعتبرون الاستصحاب في نفس الطهارة الّتي هي أمر وجودي ، وهذا يعتبره في عدم الحدث الّذي هو أمر عدمي بزعم عدم جريانه فيما عداه من الامور الوجوديّة اللازم وجودها لعدم ذلك الأمر العدمي.
وتوضيح ذلك : أنّ العدم في الأمر العدمي الّذي يراد استصحابه قد يكون جزءا من علّة وجود الشيء ابتداء كعدم القرينة الّذي هو مع الوضع علّة لحمل اللفظ على حقيقته ، وعدم التذكية الّذي هو مع الموت علّة لنجاسة الحيوان وحرمة أكله ، وما أشبه ذلك من الأمثلة. وقد يكون جزءا من علّة بقائه كعدم موت زيد الغائب الّذي هو مع العقد الواقع على امرأته علّة لبقاء حرمة تزويجها بغيره ، وعدم الحدث في المتطهّر الّذي هو مع الوضوء أو الغسل علّة لبقاء طهارته ، وما أشبه ذلك من الأمثلة.
والعلّة في الجميع مركبّة من أمر وجودي هو المقتضي وأمر عدمي هو فقد المانع الّذي يحرز فقده باستصحاب العدم ، وهذا الأمر العدمي الّذي وجوده مانع ، منعه في القسم الأوّل من باب الدفع وفي القسم الثاني من باب الرفع ، فالمانع المقابل للمقتضي هنا يراد به المعنى العامّ للدافع والرافع ، والامور العدميّة الّتي يستصحب عدمها عند هذا القائل لا تخلو عن
__________________
(١) الذخيرة : ١١٥.
(٢) الفصول : ٣٦٩.