الكبائر أو الإصرار على الصغائر ، بناء على ثبوت الواسطة بينهما وهو المجتنب عن الكبائر الغير المصرّ على الصغائر لا عن ملكة ، وهي الهيئة الراسخة في النفس الباعثة على الاجتناب وعدم الإصرار ، فلا يثبت الفسق بالأوّل ولا العدالة بالثاني لجواز الواسطة ، ونحوه الكلام في كلّ ضدّين بينهما واسطة أو وسائط.
نعم إنّما يستقيم دعوى اللزوم في كلّ ضدّين لا ثالث لهما ، فيلزم من استصحاب عدم أحد الضدّين وجود الضدّ الآخر لا محالة.
وأمّا بطلان هذا القول فيظهر بإبطال دليله المتقدّم لو كان هو دليله ، فيرد عليه أوّلا : أنّ الفرق المذكور ـ وهو أنّ ظنّ البقاء يتأتّى في الامور العدميّة ولا يتأتّى في الامور الوجوديّة ـ غير متعقّل ، إذ غاية ما هنالك أنّ العدم ليس كالوجود ليفتقر إلى علّة بل يكفي فيه انتفاء علّة الوجود ، إلاّ أنّه لا بدّ في العلم أو الظنّ به من العلم أو الظنّ بانتفاء علّة الوجود ، كما أنّه لا بدّ في العلم أو الظنّ بالوجود من العلم أو الظنّ بوجود علّة الوجود ، فكما أنّه في الزمان الثاني في الأمر الوجودي لا يحصل العلم ولا ظنّ بالوجود بمجرّد ملاحظة الوجود في الزمان الأوّل ، بل لا بدّ فيهما من العلم أو الظنّ ببقاء علّة الوجود أو وجود علّة البقاء. فكذلك في الأمر العدمي فلا يحصل العلم ولا الظنّ ببقاء العدم في الزمان الثاني بمجرّد ملاحظة ثبوت العدم في الزمان الأوّل ، بل لا بدّ فيهما من العلم أو الظنّ بانتفاء علّة الوجود في الزمان الثاني أيضا كما كان منتفيا في الزمان الأوّل.
هذا مع أنّه مبنيّ على القول بالاستصحاب من حيث الظنّ ولقد أبطلناه وزيّفناه من أصله بما لا مزيد عليه ، فعلى القول به من باب التعبّد من جهة الأخبار لا فرق بين العدميّات والوجوديّات ، لأنّ مرجعه حينئذ إلى عدم نقض اليقين بالشكّ ، ومعناه ترتيب آثار المتيقّن ـ وهو المستصحب ـ المترتّبة عليه في زمان اليقين عليه في زمان الشكّ ، ولا يتفاوت الحال فيه بين كونه أمرا عدميّا أو أمرا وجوديّا.
لكن قد يقال : إنّه على القول بالاستصحاب من باب التعبّد أيضا كان القول بالفرق متّجها ، لرجوعه عند التأمّل إلى ما يقرب من مذهب المحقّق الخوانساري القائل بحجّية الاستصحاب فيما دلّ الدليل على استمرار الحكم إلى غاية معيّنة وشكّ في حصول الغاية (١) ومذهب المحقّق السبزواري القائل به فيما كان الشكّ من جهة المانع بمعنى
__________________
(١) مشارق الشموس : ٧٥ ـ ٧٦.