لأنّا نقول : هذا وهم باطل ، لأنّ كلّ ما ثبت جاز دوامه وعدمه ، فلا لدوامه من سبب ودليل سوى دليل الثبوت ، ولو لا دليل العادة على أنّ الميّت لا يحيى والدار لا ينهدم إلاّ لهادم أو طول الزمان لما عرفنا دوامه بمجرّد ثبوته ، كما لو أخبر عن قعود الأمير وأكله ودخوله الدار ولم يدلّ العادة على دوام هذه الأحوال. فإنّا لا نقضي بدوامها ، وكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده فيفتقر في دوامها إلى دليل آخر (١) انتهى.
ولعلّ توهّم القول باختصاص منع الحجّية بحال الإجماع من الغزالي نشأ ممّا ذكره في الدقيقة لظهوره في الاختصاص.
ويزيّفه : الخروج عن هذا الظاهر بنصوصيّة سوابقه ولواحقه ، خصوصا إنكاره الأصل المعبّر عنه : « بأنّ ما ثبت دام » الّذي هو مستند القول بالحجّية ، تعليلا بأنّ ما ثبت جاز أن يدوم وأن لا يدوم الّذي هو مستند منكري الحجّية مطلقا. وهذا يقضي بإنكاره فيما يعمّ حال الإجماع وغيره.
وأظهر منه في إفادة الإنكار في حال النصّ أيضا قوله أخيرا : « وكذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده ».
والعجب عن شارح المختصر (٢) أنّه نسب القول بحجّية الاستصحاب إلى جماعة منهم الغزالي مع أنّه بمقتضى ما عرفت منه منكرا للحجّية مطلقا.
وأعجب منه ما عن السيّد صدر الدين الشارح للوافية (٣) حيث جمع بين قولي الغزالي بوجهين
أحدهما : أنّ قوله بحجّية الاستصحاب ليس مبنيّا على ما جعله القوم دليلا من حصول الظنّ ، بل هو مبنيّ على دلالة الروايات عليها ، والروايات لا تدلّ على حجّيّة استصحاب حال الإجماع.
فإنّ فيه : ـ مع أنّه لا فرق في دلالة الروايات ، إذ مفادها وجوب ترتيب آثار القضيّة المتيقّنة على القضيّة المشكوكة المقتضي لسبق يقين ولحوق شكّ مع وحدة موضوعيهما ، وهذا لا يتفاوت الحال فيه بين كون مستند اليقين في القضيّة المتيقّنة هو الإجماع أو غيره من الأدلّة ـ أنّ بين الغزالي والتمسّك بالروايات في إثبات الاستصحاب بينونة تامّة ، لأنّه من العامّة والروايات خاصيّة ، مع أنّه قد عرفت أنّ التمسّك بالروايات إنّما حدث من
__________________
(١) المستصفى ١ : ٢٢٤ ـ ٢٢٩.
(٢) شرح مختصر الاصول : ٤٥٤.
(٣) شرح الوافية ( مخطوط ) : ٣٤٤.