إحراز بقاء موضوع المستصحب في زمان الشكّ موكول إلى نظر العرف الّذي ليس مقصورا على الدقّة الفلسفة ، فليس شيء من مبيّنيّة الموضوع في حال النصّ وعدم مبيّنيّته في حال الإجماع مطّردا لينهض ما ذكر فارقا بينهما في جريان الاستصحاب في أحدهما وعدم جريانه في الآخر على وجه الاطّراد.
وتحقيق المقام : أنّ الفرق في الحجّية وعدمها بين حالي النصّ والإجماع لا بدّ وأن يستند إمّا إلى تفاوت أدلّة الحجّية في تناولها لحال النصّ وعدم تناولها لحال الإجماع ، أو إلى ورود ما يخصّصها بحال النصّ ، أو إلى اشتراط الحجّية بأمر متحقّق في حال النصّ غير متحقّق في حال الإجماع. ولا سبيل إلى شيء من ذلك.
أمّا الأوّل : فلأنّا لا نعقل فرقا بين أدلّة المثبتين ولا أدلّة النافين حتّى على طريقة إثباته بالأخبار ، لأنّ مفاد الأخبار وجوب إجراء حكم القضيّة المتيقّنة على القضيّة المشكوكة فيما اتّحد موضوعاهما ، ومناط تحقّق صدق هذا المعنى لحوق الشكّ باليقين وتواردهما على موضوع واحد ، سواء كان مستند اليقين هو النصّ أو الإجماع أو غيرهما من الأدلّة اللفظيّة واللبّية.
وأمّا الثاني : فلعدم نهوض ما يخصّص الأخبار العامّة ، وعدم صلوح غيرها من أدلّتهم العقليّة على فرض نهوضها لإثبات الاستصحاب للتخصيص.
وأمّا الثالث : فلأنّ الشرط المدّعى اعتباره في حجّيّة الاستصحاب أو جريانه إن كان بقاء موضوع المستصحب في زمان الشكّ فقد عرفت أنّه ليس بدائم التحقّق في حال النصّ ولا بدائم الانتفاء في حال الإجماع.
وإن كان توهّم دلالة دليل الحكم على ثبوته في الآن الثاني كدلالته عليه في الآن الأوّل وهذا إنّما يتحقّق في النصّ باعتبار ما يطرأه من إطلاق أو عموم أفرادي أو أزماني ، فالمدّعي لانقطاع الحكم مدافع لهما فلا يقبل منه الحكم إلاّ بدليل التخصيص ، ومع عدم ثبوته يستصحب حكم الإطلاق والعموم ، فما لا دلالة لدليل الحكم على ثبوته في الآن الثاني لا معنى لاستصحابه ، فلا معنى لاستصحابه إذا ثبت بالإجماع لاختصاص انعقاده بالآن الأوّل بدليل الخلاف في الآن الثاني وهو ينافي الإجماع ، فنجيب عنه نقضا وحلاّ :
أمّا الأوّل : فلأنّ الإهمال الناشئ عن سكوت دليل الحكم عمّا بعد الآن الأوّل يجري في غير الإجماع من الأدلّة اللفظيّة واللبّية الّتي منها الفعل والتقرير ، اللذين لا يعقل فيهما