ثمّ ردّه بأنّ استمرار الحكم تابع لدلالة الدليل ، والإجماع إنّما دلّ على النجاسة قبل الممازجة.
ثمّ قال : لا يقال : قول أبي جعفر عليهالسلام في صحيحة زرارة : « ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا ، ولكن تنقضه بيقين آخر » يدلّ على استمرار أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.
لأنّا نقول : التحقيق أنّ الحكم الشرعي الّذي تعلّق باليقين إمّا أن يكون مستمرّا بمعنى أنّ له دليلا دالاّ على الاستمرار بظاهرها أم لا ، وعلى الأوّل فالشكّ في رفعه يكون على أقسام.
ثمّ ذكر الشكّ في وجود الرافع ، والشكّ في رافعيّة الشيء من جهة اجمال معنى ذلك الشيء ، والشكّ في كون الشيء مصداقا للرافع المبيّن مفهوما ، والشكّ في كون الشيء رافعا مستقلاّ.
ثمّ قال : إنّ الخبر المذكور إنّما يدلّ على النهي عن نقض اليقين بالشكّ ، وذلك إنّما يعقل في القسم الأوّل من تلك الأقسام الأربعة دون غيره ، لأنّ غيره لو نقض الحكم بوجود الأمر الّذي شكّ في كونه رافعا لم يكن النقض بالشكّ بل إنّما يحصل النقض باليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا ، أو باليقين بوجود ما يشكّ في استمرار الحكم معه لا بالشكّ » فإنّ الشكّ في تلك الصور كان حاصلا من قبل ولم يكن بسببه نقض ، وإنّما يعقل النقض حين اليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا للحكم بسببه ، لأنّ الشيء إنّما يستند إلى العلّة التامّة أو الجزء الأخير منها ، فلا يكون في تلك الصور نقض اليقين بالشكّ وإنّما يكون ذلك في صورة خاصّة دون غيرها ، انتهى (١).
والفرق بين هذا القول وما تقدّم عن المحقّق الخوانساري بعد اشتراكهما في نفي حجّيّة ما كان الشكّ فيه باعتبار المقتضي أنّه خصّ الحجّية بواحد من الأقسام الأربعة من الشكّ باعتبار المانع ، وهذا يعمّها في قسمين أو ثلاث منها مع اتّفاقهما على عدم الحجّية فيما شكّ في كونه رافعا مستقلاّ.
ويظهر جوابه ممّا مرّ ، ونزيد هنا : أنّ دلالة الخبر على النهي عن نقض اليقين بالشكّ مسلّمة ، كما أنّ استناد الشيء إلى العلّة التامّة أو الجزء الأخير منها أيضا مسلّم.
ولكن قد عرفت أنّ نقض اليقين بالشكّ المنهيّ عنه في الخبر ليس على حقيقته ، بل هو عبارة عن نقض حكم اليقين على معنى رفع اليد عن حكمه بسبب الاعتناء بالشكّ ، مع كون المراد منهما اليقين الفعلي المتعلّق بحدوث الشيء والشكّ الفعلي المتعلّق ببقاء ذلك الشيء.
وملخّص معنى النهي عنه الإرشاد إلى أنّ المدار في ترتيب أحكام الشيء عليه على
__________________
(١) الذخيرة : ١١٥ ـ ١١٦.