ودعوى : أنّ النبيّ الموعود لم يأت بعد والّذي أتى وادّعى النبوّة ليس هو النبيّ الموعود ، لا تضرّنا بعد جزمنا بأنّه الموعود ، لأنّ المدار في جريان الاستصحاب وعدم جريانه على يقين الناظر فيه ببقاء المستصحب وشكّه فيه.
وإلى هذا الجواب يرجع ما ذكره أبو الحسن الرضا عليهالسلام في جواب الجاثليق حيث قال له عليهالسلام : ما تقول في نبوّة عيسى وكتابه ، هل تنكر منهما شيئا؟ قال عليهالسلام : « أنّا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به امّته وأقرّ به الحواريّون ، وكافر بنبوّة كلّ عيسى لم يقرّ بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وكتابه ولم يبشّر به امّته (١) ».
والحاصل : معنى بقاء نبوّة عيسى مثلا بقاء دينه وشريعته لا بقاء نفس النبوّة ، لأنّها وصف تابع في بقائه وارتفاعه لموصوفه ، والموصوف غير باق فكذا الوصف.
وإذا كان كذلك فنقول : إنّا من المقرّين ببقاء دينه وشريعته في الجملة ، ومن المعتقدين به لأنّ من دينه الّذي أتى به إنّما هو التصديق بمن سلف وغيره من الأنبياء وكتبهم ، والبشارة برسول يأتي من بعده اسمه أحمد على ما نطق به قوله تعالى حكاية عنه : ( إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )(٢) فإذعاننا برسالة محمّد صلىاللهعليهوآله وتديّننا بدينه واتّباعنا لشريعته إنّما هو على حسب ما يقتضيه دين عيسى وشرعه. فالمتمسّك بالاستصحاب إن أراد بالمستصحب هذه الشريعة المتضمّنة للتصديق بالتوراة والبشارة برسالة محمّد صلىاللهعليهوآله فتكلّف غير محتاج إليه ، لأنّا لسنا بمنكري هذه الشريعة وبقائها في الجملة ، وإن أراد غير ذلك فاستصحابه لا يفيدنا شيئا ، لأنّا لسنا بمعتقدي ذلك حتّى يلزمنا استصحابه.
وبعبارة اخرى : شريعة عيسى الّتي نحن نعتقدها كانت مغيّاة بغاية معلومة وهي حدوث شريعة محمّد صلىاللهعليهوآله على حسب ما يقتضيه بشارة عيسى ، وهذا لا يحتاج إلى استصحاب ، والّتي ليست مغيّاة بهذه الغاية نحن لا نعتقدها فلا يعقل استصحابه الملزم لنا لانتفاء اليقين السابق.
وإذا انجرّ الكلام إلى هذا المقام فهاهنا دقيقة ينبغي التنبيه عليها ، وهي أنّ هذا كلّه في منع استصحاب أصل الشريعة السابقة. وأمّا استصحاب حكم من أحكامها الثابتة فيها إذا لم يعلم نسخه بالخصوص فالأقوى صحّته وحجّيّته ، إذ المستصحب إذا اجتمع فيه شرائط الاستصحاب وأركانه فلا يتفاوت الحال فيه بين كونه من أحكام هذه الشريعة أو من
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٥٦ و ١٥٧.
(٢) الصفّ : ٦.