وأمّا القسم الرابع : وهو ما لو تعدّد الحادث وشكّ في تأخّر أحدهما المعيّن لجهالة تاريخه مع كون الآخر معلوم التاريخ ففيه خلاف ، فقيل : بجريان أصل العدم في مجهول التاريخ ، وهو أصالة عدم وجوده في تاريخ وجود معلوم التاريخ وإثبات تأخّره عنه ، وعزي ذلك إلى جماعة ، بل إلى ظاهر المشهور. وقد صرّح بالعمل به الشيخ (١) وابن حمزة (٢) والفاضلان (٣) والشهيدان (٤) وغيرهم (٥) في بعض المقامات. كما في مسألة اتّفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرّة رمضان واختلافهما في موت المورّث قبل الغرّة أو بعدها ، فقالوا : إنّ القول قول مدّعي التأخّر. ونحوه ما لو أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ثمّ رجع ثمّ اختلفا ، فقال المرتهن : رجعت قبل البيع ، وقال الراهن : بعده ، ففصّل في المسالك (٦) ناسبا له إلى الدروس (٧) بين ما لو اتّفقا على زمان أحدهما فالأصل مع مدّعي التأخّر وما لم يتّفقا على زمان أحدهما فيقدّم قول المرتهن ، لتكافؤ الدعويين فيرجّح جانب الوثيقة لسبق تعلّق حقّ الرهن بالعين.
وقيل : بمنع العمل بالأصل وإلحاق صورة جهل تاريخ أحدهما بصورة جهل تاريخهما ، نسبه بعض مشايخنا (٨) إلى بعض معاصريه (٩) تبعا لبعض الأساطين ، مستشهدا بإطلاق الجماعة وعدم تفصيلهم في مسألة الطهارة والحدث وموت المتوارثين وغيرهما ، مستدلاّ على ذلك بأنّ التأخّر ليس أمرا مطابقا للأصل ، ولعلّ مراده من عدم مطابقة التأخّر للأصل أنّ الأصل إنّما يقتضي انسحاب أمر يكون حالة سابقة في الشيء والتأخّر ليس حالة سابقة في الشيء المشكوك في تأخّره ، فإنّ الأصل يقتضي عدم الحدوث لا الحدوث المتأخّر.
نعم هو لازم عقلي للمستصحب العدمي ، ولا دليل على ترتّبه عليه.
وقيل : بالعمل بالأصل من حيث الحكم على ما جهل تاريخه بعدم وجوده في تاريخ وجود ما علم تاريخه ، فيترتّب عليه جميع الآثار المترتّبة على عدم حدوثه ، ولا يعمل به في الحكم بتأخّر وجوده عمّا علم تاريخه إلاّ على القول بالاصول المثبتة وهو باطل ،
__________________
(١) المبسوط ٨ : ٢٧٣.
(٢) الوسيلة : ٢٢٥.
(٣) وهما المحقّق في الشرايع ٤ : ١٢٠ والعلاّمة في القواعد ( الحجريّة ) ٢ : ٢٢٩ والتحرير ٢ : ٣٠٠.
(٤) الدروس ٢ : ١٠٨ والمسالك ٢ : ٣١٩.
(٥) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٦١.
(٦) المسالك ٤ : ٧٨.
(٧) الدروس ٣ : ٤٠٩.
(٨) فرائد الاصول ٣ : ٢٥٢.
(٩) وهو كاشف الغطاء في كشف الغطاء : ١٠٢.