وهذا واضح لا كلام فيه.
وإنّما الكلام في أنّ الواقعة إذا اخذت من حيث إنّها محتملة الوجوب ، واحتمال كونها محبوبة للشارع بعد نفي وجوبها من هذه الحيثيّة بأصل البراءة ، ونفي وجوب الاحتياط فيها بمنع نهوض أدلّته لإثبات الوجوب ، هل يثبت لها الاستحباب الشرعي ويحكم على الفعل المحتمل الوجوب بكونه ـ بملاحظة احتمال المحبوبيّة ومبغوضيّة الترك ـ مستحبّا شرعيّا؟ يمكن التزامه لوجوه :
الأوّل : حسن الاحتياط الغير البالغ حدّ اللزوم على ما يحكم به العقل ، فإنّه وإن لم يحكم بوجوبه ولم يستقلّ بإدراك الحسن الملزم فيه إلاّ أنّه يستقلّ بإدراك حسنه في الجملة ، وهو الّذي يعبّر عنه بالرجحان ، وهذا معنى ما يقال من أنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، بل هو إجماعيّ ، ولا ريب أنّ الإتيان بما احتمل وجوبه لاحتمال كونه مطلوبا ومحبوبا لله تعالى وكونه أو قى نفسه عن مخالفة أمره تعالى والخروج عن طاعته احتياط فينتظم قياس صغراه ، وكبراه كون الاحتياط حسنا ، فينتج أنّ الإتيان بما احتمل كونه محبوبا له تعالى حسنا ، ثمّ بحكم الملازمة بين الحسن العقلي والحكم الشرعي يثبت الاستحباب الشرعي.
الثاني : حسن الانقياد الّذي هو أيضا حكم عقلي ، فإنّ الانقياد للمولى على معنى تعريض النفس لإطاعته وموافقة أوامره ونواهيه حسن لذاته ، على معنى استحقاق فاعله المدح ، فإذا عرض ذلك للفعل المحتمل الوجوب إذا أتى به لرجاء كونه محبوبا للشارع ، كان من الوجه والاعتبار القاضي بحسن ذلك الفعل ، باعتبار كون الإتيان به على الوجه المذكور تعريضا للنفس لإطاعته تعالى فيحسن ، كما يحسن الكذب بعروض جهة النفع له ، وضرب اليتيم بعروض جهة التأديب ، ثمّ يثبت له الاستحباب الشرعي بحكم الملازمة على ما أشرنا إليه.
الثالث : ما ورد من الأخبار المستفيضة الّتي فيها الصحيح وغيره فيمن بلغه ثواب على عمل القاضية باستحبابه إذا أتى به التماس ذلك الثواب (١) ، وظاهر أنّ الإتيان بما احتمل كونه مطلوبا برجاء المطلوبيّة عمل يعمل به التماس الثواب ، اللازم للوجوب المحتمل البالغ إلينا فيتناوله الأخبار المشار إليها ، بناء على شمولها لمطلق احتمال المطلوبيّة والرجحان ،
__________________
(١) راجع الوسائل ١ : ٥٩ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمة العبادات.