ذهاب ثلثي العصير وفي كون التحديد تحقيقيّا أو تقريبيّا ، وفي صيرورته قبل ذهاب الثلثين دبسا وفي ذهاب ثلثيه بالشمس إلى غير ذلك » انتهى (١).
وفيه : أنّ المورد إن كان بحيث يجري فيه عموم الدليل فلا يعقل معه جريان الاستصحاب ، لما اخذ في موضوعه من عدم ذلك العموم باعتبار كونه دليلا ، وإن كان بحيث لا يجري فيه عموم الدليل فلا يعقل تخصيصه بما يقتضي فيه خلاف مقتضاه ، سواء كان هو الاستصحاب أو غيره.
وأمّا الاستشهاد لما زعمه من نهوض الاستصحاب مخصّصا للعامّ بالاستصحاب المذكورة.
ففيه : أنّها ونظائرها لا تعارض العمومات المثبتة للاصول الثلاثة من أصالة البراءة وأصالة الطهارة في الأشياء وأصالة الحلّيّة فيها ليكون العمل بها تخصيصا للعمومات ، بل هي إمّا واردة على الاصول المذكورة ـ بناء على أنّه قد اخذ في موضوعات هذه الاصول عدم العلم بشغل الذمّة وعدم العلم بالنجاسة وعدم العلم بالحرمة ، والعلم المأخوذ عدمه فيها أعمّ من العلم الحقيقي والعلم الشرعي ، واستصحاب شغل الذمّة فيما سبقه اليقين به واستصحاب النجاسة فيما سبقه اليقين بها واستصحاب الحرمة فيما سبقه اليقين بها علم شرعي ـ أو أدلّة حجّيتها حاكمة على العمومات المثبتة لهذه الاصول ، بناء على أنّ العمومات تقضي بأنّ ما لم يعلم شغل الذمّة به أو نجاسته أو حرمته يحكم ببراءة الذمّة عنه أو طهارته أو حلّيته. وقوله عليهالسلام : « لا ينقض اليقين بالشكّ (٢) » متعرّض بمدلوله لبيان كمّية موضوعات هذه العمومات ، وناطق بأنّ ما لم يعلم شغل الذمّة به أو نجاسته أو حرمته إنّما يحكم بالبراءة فيه أو طهارته أو حلّيته فيما لم يسبق اليقين بالشغل فيه أو بنجاسته أو بحرمته ، وأمّا مع سبق اليقين بأحدهما فيحكم فيها بشغل الذمّة وبالنجاسة وبالحرمة ، وعلى التقديرين لا تعارض ليكون علاجه بالتخصيص لتحكيم العموم على المعارض.
وبما بيّنّاه ظهر فساد ما ذكره بعض الأعلام في مسألة تخصيص الكتاب بخبر الواحد في تضاعيف الاستدلال على جوازه من قوله : « بل سدّ باب تخصيص الكتاب بخبر الواحد يوجب منع العمل بخبر الواحد ، إذ قلّما يوجد خبر لم يكن معارضا لظاهر من عمومات الكتاب ، فلا أقلّ من مخالفته لأصل البراءة الثابتة بنصّ الكتاب مثل ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما
__________________
(١) راجع فرائد الاصول ٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ١.