يحرز الحكم لم يحرز الحالة العارضة له ، فلا يمكن الاستدلال على ثبوت الحكم بوجود الحالة العارضة ، لا لأنّها موجودة ولا يمكن أن يستدلّ بها عليه بل لا وجود لها مع عدم وجوده ، والشكّ في وجوده يستلزم الشكّ في وجودها ، فالاستدلال بها حينئذ عليه يرجع إلى الاستدلال بمشكوك على مشكوك وهذا كما ترى ، فإذا خرج فرد من العامّ في زمان بمخصّص ارتفع عنه حكم العامّ فانقطع بسببه دوامه بالنسبة إلى هذا الفرد ، فإذا شكّ في حكمه في ثاني زمان التخصيص لإجمال في المخصّص أو قصور في دلالته فلم يبق بالنسبة إليه بالخصوص في العامّ دلالة على الدوام ليستدلّ به على ملزومه الّذي هو الحكم ، فلا مانع من جريان الاستصحاب حينئذ والتمسّك به.
ومن أمثلته العصير العنبي قبل الغليان الّذي دلّ الدليل العامّ كـ ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ )(١) و ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )(٢) على حلّيته وطهارته على وجه الدوام ، المستفاد من إطلاق « احلّ » ثمّ ورد عليهما تخصيص من جهة ما دلّ على حرمته ونجاسة بالغليان ، وإذا ذهب ثلثاه بغير النار صار ذلك سببا للشكّ في بقاء الحرمة والنجاسة وزوالهما ، فيحكم ببقائهما استصحابا لحكم المخصّص ، ولا يحكم عليه بمقتضى العامّ من الحلّية والطهارة لانقطاع عمومه الأزماني تبعا للتخصيص الرافع لحكمه.
والعجب من سيّد الأفاضل في الرياض ـ على ما حكاه عنه الفاضل النراقي ونقله بعض مشايخنا (٣) ملخّصا ـ حيث إنّه بعد التمسّك بالاستصحاب في موضع ، ذكر : « أنّ الاستصحاب المخالف للأصل دليل شرعي مخصّص للعمومات » ولا ينافيه عموم أدلّة حجّيته من أخبار الباب الدالّة على عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين ، إذ ليست العبرة في عموم الدليل وخصوصه بدليل الدليل ، وإلاّ لم يتحقّق لنا في الأدلّة دليل خاصّ لانتهاء كلّ دليل إلى أدلّة عامّة ، بل العبرة فيهما بنفس الدليل ، ولا ريب أنّ الاستصحاب الجاري في مورد مخصوص دليل خاصّ لا يتعدّاه إلى غيره فيقدّم على العامّ كما يقدّم على غيره من الأدلّة. ولذا ترى أنّ الفقهاء يستدلّون على الشغل والنجاسة والتحريم بالاستصحاب في مقابلة عمومات البراءة الأصليّة وطهارة الأشياء وحلّيتها ، كقوله : « الناس في سعة ما لم يعلموا » و « كلّ شيء طاهر حتّى يعلم أنّه قذر » و « كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه » ومن ذلك استنادهم إلى استصحاب النجاسة والتحريم في صورة الشكّ في
__________________
(١) المائدة : ٥.
(٢) البقرة : ٢٩.
(٣) فرائد الاصول ٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧.