بالدليل الغير المتناول لا جماله لحال زيد يوم السبت وأجرينا حكم المخصّص فيه يوم السبت وما بعده أيضا لم يلزم تخصيص آخر.
والسرّ في ذلك : أنّ الدوام الّذي هو حالة في وجوب اكرام زيد انقطع بالتخصيص الأوّل ، النافي يوم الجمعة للوجوب عن اكرامه طال زمان عدم وجوب اكرامه أو قصر ، فهو تخصيص واحد على كلّ حال ، حتّى أنّه لو دلّ الدليل الأوّل أو غيره على عدم وجوبه إلى الأبد لم يزد على التخصيص المذكور شيئا ، لوضوح أنّ الدوام لكونه حالة في الوجوب تابع ، فإذا انتفى المتبوع انتفى التابع طال زمان انتفاء المتبوع أو قصر.
وقضيّة ذلك أن يكون كلّ من وجوب اكرام زيد وعدم وجوبه فيما بعد الزمان الأوّل محتاجا إلى دليل ، فإذا قضى الاستصحاب بعدم وجوبه لم يكن مانع من العمل به ، كما أنّه لو قضى أصل البراءة به مع قطع النظر عن الاستصحاب لم يكن مانع من العمل به أيضا ، والخيار الثابت في زمان ظهور الغبن أو العيب أو غيرهما بالدليل المجمل الغير المتناول لما بعد زمان الفور كالإجماع ونحوه المنافي لعموم اللزوم ووجوب الوفاء بالعقد بحسب الأزمان من هذا القبيل ، فوجوب الوفاء به الّذي معناه سقوط الخيار بعد زمان الفور يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١) ، كما أنّ بقاء الخيار فيه يحتاج إلى دليل والاستصحاب كاف فيه.
فما ذكره المانعون من التمسّك به من أنّ عموم الوفاء بالعقود من حيث الأفراد يستتبع عموم الأزمان وارد على خلاف التحقيق ، وكأنّهم لا حظوا ما قبل التخصيص وإلاّ فبعد التخصيص انقطع كلّ من العمومين بالنسبة إلى هذا الفرد ، وحيث إنّ عموم الأزمان الّذي هو عبارة عن دوام وجوب الوفاء بالعقد في بقائه وارتفاعه تابع لوجوب الوفاء ، ففي ثاني زمان التخصيص لا يعقل دوام مع عدم ثبوت الوجوب.
وبالجملة عموم الأزمان الّذي يعبّر عنه بالدوام المستفاد من إطلاق الأمر من الأحوال العارضة للحكم وليس من مشخّصات الموضوع ، كما أنّ جهات القضيّة الّتي منها الدوام في مصطلح أهل المنطق من الأحوال العارضة للحكم لا من مشخّصات موضوع القضيّة ولا من قيود محمولها.
ولا ريب أنّ العارض تابع لمعروضه فيثبت حيث ثبت وينتفي حيث انتفى ، فما لم
__________________
(١) المائدة : ١.