الكلام في سائر الخيارات المختلف في فوريّتها.
والّذي يقتضيه جليّ النظر منع جريان هذا الاستصحاب الّذي مرجعه إلى تخصيص العامّ الأزماني ، لأنّ العموم على فرض ثبوته دليل رافع لموضوع الاستصحاب فلا استصحاب ، فالمانع من التمسّك به مستظهر إن كان مستند منعه هو ذلك.
ولكنّ الّذي يساعد عليه دقيق النظر هو التفصيل ، ففي بعض المقامات يتعيّن العمل بالعموم ولا استصحاب معه ، وفي بعضها يؤخذ بالاستصحاب لا بالعموم ، حتّى أنّه لو فرض مانع آخر من العمل بالاستصحاب وجب الرجوع إلى سائر الاصول لا العموم.
وضابط هذا التفصيل : أنّ الزمان الّذي اعتبر عموم الدليل بالنسبة إليه قد يؤخذ قيدا لموضوع الحكم على وجه يكون كلّ زمان موضوعا مستقلاّ ، فينحلّ الحكم العامّ إلى أحكام متعدّدة على حسب تعدّد الأزمان ، وذلك مثل « أكرم العلماء في كلّ يوم » مع خروج زيد يوم الجمعة بالدليل ، و « صم كلّ يوم » مع خروج صوم يوم العيد بالدليل ، وقد يؤخذ حالة في الحكم ويعبّر عنها بالدوام والاستمرار كقوله : « أكرم العلماء دائما ».
ففي القسم الأوّل لا محيص من العمل بالعموم ولا يجري معه الاستصحاب فلا يجوز العمل به ، وإلاّ لزم تخصيص العامّ بالاستصحاب وهو باطل ، وضابطه أنّه لو فرض في زمان الشكّ ـ وهو الزمان الثاني ـ موضع الاستصحاب دليل آخر على خلاف حكم العامّ لزم تخصيص آخر فيه زائدا على التخصيص الأوّل ، فكما أنّه في المثال المتقدّم بعد إخراج زيد يوم الجمعة لو اخرج عمرو أيضا يوم الجمعة لزم تخصيص آخر ، فكذلك لو اخرج زيد يوم السبت أيضا لزم تخصيص آخر ، وحينئذ فلو أخذ الاستصحاب موقع هذا المخصّص مدركا لإخراج زيد يوم السبت لزم تخصيص العامّ بالاستصحاب مع ثبوت عمومه ، وهو على ما بيّنّاه غير معقول.
والسرّ فيه : أنّ كلاّ من إكرام زيد يوم الجمعة وإكرامه يوم السبت فرد مستقلّ للعامّ اعتبر عمومه بالنسبة إليه ، ولا يلزم من تخصيصه بالنسبة إلى الفرد الأوّل خروج الفرد الثاني أيضا ، فلا بدّ في التزام خروجه أيضا من مخصّص آخر والاستصحاب غير صالح له ، بخلاف القسم الثاني فإنّ في نحوه لا مانع من طرف العامّ من العمل بالاستصحاب ، إذ لو فرض في موقعه دليل آخر على حكم الفرد المخرج في الزمان الثاني لم يلزم تخصيص آخر زائد على التخصيص الأوّل ، ففي مثل « أكرم العلماء دائما » لو اخرج زيد يوم الجمعة