ثبوته في الزمان الثاني وما بعده أيضا ، كقوله : « أكرم العلماء في كلّ زمان » ونحوه النهي في موارد إفادته الدوام ، أو يكون دالاّ على عدم ثبوته في الزمان الثاني وما بعده كقوله : « أكرم العلماء إلى أن يفسقوا » بالنسبة إلى ما بعد الغاية بناء على مفهوم الغاية ، أو يكون ساكتا عن حال الحكم في الزمان الثاني إثباتا ونفيا لإجماله كقوله : « صم إلى الليل » مع تردّد الليل بين استتار القرص وذهاب الحمرة ، أو لقصور في دلالته كقوله : « إذا تغيّر الماء نجس » فإنّه لا يدلّ على أزيد من حدوث النجاسة في الماء بالتغيّر. ونحوه الإجماع إذا انعقد على حكم في زمان ، بناء على أنّه لا يشمل ما بعد ذلك الزمان ولا يتعرّض له بنفي ولا إثبات.
ولا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأخير ، كما لا ينبغي التأمّل في عدم جريانه في سابقه لارتفاع موضوعه بفرض وجود الدليل على ارتفاع الحكم في الزمان [ الثاني ]. وكذلك القسم الأوّل لأجل ذلك أيضا ، فإنّ موضوعه ما لا دليل على بقائه وارتفاعه ، والدليل المفروض رافع لهذا الموضوع. ولذا ذكرنا في غير موضع أنّ الأصل كما لا يصلح معارضا للدليل فكذلك لا يصلح معاضدا له ، وليس معناه أنّه يجري ولا يعارض ولا يعاضد ، بل معناه أنّه مع الدليل لا يجري ليعارض ويعاضد ، فالسالبة بانتفاء الموضوع.
وهذا كلّه ممّا لا كلام فيه ، وإنّما الكلام في أنّه إذا خرج من العامّ في القسم الأوّل بعض الأفراد في بعض الأزمنة عن العموم بالدليل ثمّ شكّ بعد ذلك الزمان في حكم هذا الفرد فهل هو ملحق به في الحكم أو بما قبله؟
وبعبارة أوضح : فهل يعمل فيه بالحكم العامّ المستفاد من الدليل العامّ تمسّكا بعمومه أو بالحكم الخاصّ المستفاد من الدليل المخصّص نظرا إلى استصحابه؟
وبعبارة ثالثة : فهل يكون حكمه هو الحكم العامّ نظرا إلى عموم دليله بحسب الأزمان ، أو الحكم الخاصّ نظرا إلى أنّه كان متيقّن الثبوت ثمّ شكّ في بقائه فيستصحب؟
والظاهر أنّ كلمات العلماء فيه مختلفة كما يظهر منهم في بعض المقامات الّتي منها مسألة تلقّي الركبان عند ظهور الغبن الفاحش للبايع المحكوم عليه بثبوت الخيار له ، المختلف في كونه على الفور كما عن جماعة تمسّكا بعموم الأزمان المستفاد من إطلاق ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(١). ومنع جريان الاستصحاب ، أو على التراخي كما عن آخرين استنادا إلى استصحاب الحالة السابقة الّذي لازمه تخصيص العامّ به على تقدير العموم ، ونحوه
__________________
(١) المائدة : ١.