ويظهر أثر اعتبار الوحدتين في إثبات وجوب الجزء بعد تعذّر الكلّ بالاستصحاب ، كغسل الوجه واليدين مع مسح الرأس بعد تعذّر مسح الرجلين مثلا فإنّه غير صحيح جزما كما تقدّم سابقا ، ولكن يمكن استناد عدم الصحّة تارة إلى انتفاء وحدة موضوعي القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة ، واخرى إلى انتفاء وحدة محموليهما ، لوضوح تغائر قولنا : « غسل الوجه واليدين من حيث كونه في ضمن الكلّ ـ وهو الوضوء ـ واجب » وقولنا : « غسل الوجه واليدين من حيث ذاته واجب » كتغائر قولنا : « غسل الوجه واليدين واجب » على معنى الوجوب الغيري المقدّمي وقولنا : « غسل الوجه واليدين واجب » على معنى الوجوب النفسي الذاتي.
وبالتأمّل في ذلك ظهر دليل اشتراط بقاء الموضوع الّذي مرجعه إلى وحدة موضوعي القضيّتين ، وهو لزوم انتفاء الشكّ اللاحق في تقدير وانتفاء اليقين السابق في آخر على تقدير عدم بقاء الموضوع ، الّذي مرجعه إلى تعدّد القضيّتين موضوعا أو محمولا ، وهما من أركان الاستصحاب فيستحيل بدون أحدهما.
هذا مضافا إلى أنّ الظاهر المتبادر من قولنا : « لا ينقض اليقين بالشكّ » وقوله عليهالسلام : « من كان على يقين فشكّ ، فليمض على يقينه (١) » وحدة متعلّقي اليقين والشكّ ، ولا يعقل ذلك إلاّ إذا تعلّق اليقين بتحقّق الشيء ـ على معنى وجوده المطلق ـ وتعلّق الشكّ ببقائه ، ولا يتأتّي ذلك إلاّ مع وحدة ذلك الشيء في زماني اليقين والشكّ.
فرجع الكلام إلى دعوى أنّ بقاء الموضوع هو المتبادر من أخبار الاستصحاب ولو بواسطة الدلالة الالتزاميّة البيّنة بالمعنى الأعمّ ، أو العقليّة التبعيّة من باب الإشارة.
ويمكن الاستدلال عليه أيضا بالبرهان العقلي المبنيّ على مقدّمتين عقليّتين ، من امتناع وجود العرض لا في الموضوع ، وامتناع انتقال العرض ، ومقدّمة ثالثة سمعيّة مستفادة من الأخبار أو عرفيّة مستندة إلى بناء العقلاء في مجاري الاستصحاب ، وهو اعتبار كون الشكّ في بقاء الشيء بعد اليقين بوجوده المطلق.
فنقول : أنّ الحكم الّذي يقصد اثبات وجوده بالاستصحاب إمّا أن يقصد اثباته لا في الموضوع أو يقصد اثباته في الموضوع ، ولا سبيل إلى الأوّل لاستحالة وجود العرض لا في الموضوع ، وعلى الثاني فإمّا أن يقصد اثباته في موضوع آخر غير الموضوع الأوّل أو اثباته
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٥ الباب ١ من أبواب نواقض الوضوء ، ح ٦.