فنقول : أنّ الدليل الاجتهادي ما كان بدلالته القطعيّة أو الظنّية ناظرا إلى الواقع ناطقا به كاشفا عنه كشفا علميّا ، والدليل الفقاهي ما يفيد العلم بكون مدلول الدليل الاجتهادي حكما ظاهريّا ، وهو الحكم الفعلي الّذي يجب على المكلّف العالم به التديّن به ، وهو مناط الإطاعة والمعصية وعليه مدار الثواب والعقاب ، ومن ذلك فتوى الفقيه والدليل العلمي القائم بكونها حجّة على المقلّد كالإجماع ، فإنّ الاولى تدلّ المقلّد على الواقع ظنّا والثاني يفيده العلم بكون ذلك المدلول حكمه الفعلي الّذي يجب عليه التديّن به.
وقيل : أصل هذا الاصطلاح من المحقّق البهبهاني قدسسره في حاشيته على المعالم ، وإنّما أخذه من تعريفي الاجتهاد والفقه باستفراغ الوسع في تحصيل الظنّ أو مطلق الاعتقاد بالحكم الشرعي الفرعي ، والعلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة ، فالدليل الاجتهادي ما به يصير المكلّف مجتهدا ، والدليل الفقاهي ما به يصير المجتهد فقيها ، فبهذا الاعتبار صحّ نسبة الأوّل إلى الاجتهاد ونسبة الثاني إلى الفقاهة فيكون الأوّل اجتهاديّا والثاني فقاهيّا ، ويتحصّل منهما مقدّمتان قطعيّتان ينتظم بهما القياس المعروف المعبّر عنه في كلّ مسألة اجتهاديّة : « هذا ما أدّى إليه ظنّي ، وكلّ ما ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي » والنتيجة الحاصلة منهما هي مرتبة الفقاهة المعرّفة بالعلم بالحكم الشرعي الفرعي ، مرادا منه الحكم الظاهري بمعنى الحكم الفعلي.
وبهذا يندفع الإشكال المعروف على تعريف الفقه بملاحظة أنّ أكثر الأدلّة ظنّية وهي لا تلائم العلم.
ووجه الاندفاع : ما أشاروا إليه من أنّ الظنّ في طريق الحكم لا نفسه وظنّية الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم ، مرادا بالحكم المتكرّر الحكم الظاهري الفعلي ، ولقد أوضحناه مشروحا في تعريف الفقه (١).
وربّما يشكل الحال بملاحظة ما ذكرناه من ضابط الدليل الفقاهي فيما شاع بين علمائنا المعاصرين ومقاربيهم من إطلاق الأدلّة الفقاهيّة على الاصول الأربع العمليّة ، فإنّه لا ينطبق على المعنى المذكور كما لا يخفى ، إلاّ أن يحمل على المسامحة والتوسّع في الاستعمال بالنسبة إلى الدليل ، نظرا إلى أنّ كلاّ من الاصول الأربعة من قبيل القاعدة لا من قبيل الدليل ، لأنّها أحكام كلّية مجعولة للجاهل الملتفت إلى جهله من حيث كونه جاهلا.
__________________
(١) تعليقة على المعالم الاصول ١ : ١٥٠.