في كونهما مصداقين للشكّ اللاحق باليقين السابق على حدّ سواء ، فليكن الحكم المستفاد من الأخبار باعتبار عموم لفظي « اليقين » و « الشكّ » لكلّ شكّ لا حق ويقين سابق شاملا لهما على حدّ سواء.
ويدفعه : أنّ مناط عموم الأخبار إنّما هو صدق نقض اليقين ، وهذا إنّما يصدق إذا بقي الشكّ على حاله ، ويختصّ ذلك باليقين والشكّ في جانب السبب ، لتبدّل الشكّ في جانب المسبّب بالعلم بعدم البقاء ولو شرعا ، فشمول العامّ للشكّ السببي كما هو المقطوع به ينزّل الشكّ المسبّبي منزلة العدم ، ويوجب اليقين الشرعي بعدم بقاء الحالة السابقة الّتي في جانبه ، فيكون رفع اليد عن هذه الحالة السابقة من قبيل نقض اليقين باليقين لا بالشكّ ، فلا يشمله عموم الحكم المستفاد من النهي في قوله « لا ينقض » فخروج الاستصحاب المسبّبي عن الحكم العامّ إنّما هو من جهة عدم المقتضي لا من جهة وجود المانع.
وبذلك يقوى القول بكون تقديم الاستصحاب السببي على المسبّبي من باب الحكومة ، وإن كان الأقوى كونه من باب الورود.
ومن هنا ظهر أنّه لا وجه للقول بالرجوع إلى المرجّحات الخارجيّة كما هو ظاهر الإطلاق المحكيّ عن تمهيد القواعد (١) في تعارض الأصلين ، فإنّه إنّما يصلح مع وجود المعارضة وقد عرفت أن لا معارضة ، لعدم شمول العامّ كلا المتعارضين ، كما أنّه لا وجه للقول بطرح الاستصحابين معا والرجوع إلى ما يوجد في المورد من سائر الاصول كالبراءة والاشتغال والتخيير ، إذ مع خلوّ الاستصحاب السببي عن المعارض باعتبار الحكومة أو الورود لا مفرّ من العمل بمقتضاه ، نظرا إلى أنّ العبرة في مقام المعارضة إنّما هو بالمعارضة الفعليّة فلا يكفي المعارضة الفرضيّة ، كما أنّه قد اتّضح فساد القول بالجمع بينهما بما لا مزيد عليه.
وممّا يرشد إلى فساد توهّم الجمع أنّ الاستصحاب السببي معه يصير كاللغو لانتفاء ما يترتّب عليه من الفوائد ، إذ المقصود بذلك الاستصحاب إمّا ترتيب الآثار الموافقة له وهي الآثار الموجودة سابقا كالحكم بزوجيّة زوجة زيد باستصحاب حياته فلا حاجة لها إلى ذلك الاستصحاب ، لكفاية الاستصحاب الجاري في نفس هذه الآثار ، إذ المفروض أنّ
__________________
(١) تمهيد القواعد : ٢٨٨ ـ ٢٨٩.