المسبّبي من باب الحكومة.
ولكنّ الإنصاف : أنّه من باب التخصّص والخروج الموضوعي حسبما عرفت. وبهذا كلّه ـ مضافا إلى ما سبق ـ ظهر أنّ القول بالمعارضة الموجبة للتساقط والرجوع إلى أصل ثالث كما عن الشيخ والمحقّق والعلاّمة في بعض أقواله وجماعة من متأخّري المتأخّرين ـ على ما حكي ـ ليس على ما ينبغي.
فعن الشيخ في المبسوط (١) أنّه ذهب إلى عدم وجوب فطرة العبد المفقود إذا لم يعلم خبره ، والظاهر أنّ مستنده أصل البراءة.
وعن المحقّق في المعتبر (٢) أنّه استحسنه مجيبا عن الاستدلال للوجوب بأصالة البقاء بأنّها معارضة بأصالة عدم الوجوب ، وعن تنظير وجوب الفطرة عنه بجواز عتقه في الكفّارة بالمنع عن الأصل تارة والفرق بينهما اخرى.
وعنه في اصول المعتبر (٣) التصريح بأنّ استصحاب الطهارة عند الشكّ في الحدث معارض باستصحاب عدم براءة الذمّة بالصلاة بالطهارة المستصحبة.
كما أنّه ظهر أنّ ما عليه العلاّمة في بعض كتبه (٤) ـ على ما حكي ـ من الحكم بطهارة الماء القليل الّذي وقع فيه صيد مرميّ لم يعلم استناد موته إلى الرمي مع الحكم بنجاسة الصيد عملا بالاستصحابين ، ليس على ما ينبغي. لكن عنه في غير واحد من كتبه (٥) الحكم بنجاسة الماء ، وتبعه الشهيدان (٦) واختاره بعض مشايخنا قدسسره (٧) وهو المختار ، لأنّه إذا ثبت بأصالة عدم التذكية موت الصيد جرى عليه جميع أحكام الميتة الّتي منها انفعال الماء الملاقي له.
وخلاصة الكلام : أنّ إعمال الاستصحابين أو تعارضهما الموجب للتساقط والرجوع إلى المرجّحات مبنيّ على توهّم شمول الحكم المستفاد من الأخبار لهما معا ، بدعوى : أنّ الشكّ واليقين في جانب السبب مع الشكّ واليقين في جانب المسبّب مع قطع النظر عن الأخبار ودلالتها على الاستصحاب ـ أعني لزوم بقاء الحالة السابقة في زمن الشكّ ـ
__________________
(١) المبسوط ١ : ٢٣٩.
(٢) المعتبر ٢ : ٥٩٨.
(٣) المعتبر ١ : ٣٢.
(٤) انظر التحرير : ٦ ، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة ١ : ١٣٣.
(٥) انظر قواعد الأحكام ١ : ١٩٠ ونهاية الإحكام ١ : ٢٥٦ ، المنتهى ١ : ١٧٣.
(٦) راجع الذكرى ١ : ١٠٦ والبيان : ١٠٣ وتمهيد القواعد : ٢٨٩ ـ ٢٩٠.
(٧) فرائد الاصول ٣ : ٤٠٢.