مثل شرب التتن متعارضين ، فإذا قلنا فيه بالحرمة عملا بالخبر أو الشهرة فقد خرجنا عن عموم دليل الأصل بخصوص دليل الخبر والشهرة فيكون تخصيصا.
وفيه : أنّ رافع موضوع الأصل أعمّ من أن يكون في نفسه رافعا أو بجعل الشارع ، والدليل الغير العلمي وإن لم يكن في نفسه رافعا إلاّ أنّه رافع بجعل الشارع ، لأنّ مرجع أدلّة حجّيّة الأمارة الظنّية إلى بيان أنّ موضوع الأصل هو ما لم يعلم حرمته بالخصوص ولا يظنّ بأمارة ظنّية مطلقا أو من جهة خبر الواحد أو الشهرة خاصّة ، فمؤدّى دليل الأصل حينئذ عدم الحرمة فيما لا يعلم ولا يظنّ حرمته بالخصوص.
وإذا قامت الأمارة الظنّية بحرمة شرب التتن مثلا أوجبت خروجه عن موضوع الأصل ، وليس هذا من باب التخصيص لا في الأصل بالدليل الغير العلمي ولا في دليله بدليل حجّيّة ذلك الدليل الغير العلمي.
أمّا الأوّل : فظاهر.
وأمّا الثاني : فلأنّ قضيّة الفرض أن يكون دليل حجّيّة ذلك الدليل حاكما على أدلّة الأصل لا مخصّصا له.
وتوضيح المقام : أنّ الدليل إذا اخذ مقيسا إلى دليل آخر فإمّا أن يكون واردا عليه ، أو حاكما عليه ، أو معاضدا له ، أو معارضا له.
والوارد : ما كان بمؤدّاه رافعا لموضوع الدليل الآخر ، كالدليل العلمي مقيسا إلى الأصل.
والحاكم : ما كان بمؤدّاه متعرّضا لحال الدليل الآخر ببيان مقدار موضوع الحكم في ذلك الدليل ، فيكون كالمفسّر له ، كأدلّة نفي العسر والحرج في الدين مقيسة إلى الأدلّة المثبتة للتكاليف في العبادات وغيرها ، فإنّ قوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(١) و ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(٢) متعرّض لحال قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ )(٣) و ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ )(٤) و ( لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )(٥) وغير ذلك ، ببيان أنّ موضوعات هذه الأحكام ما لا حرج فيه ولا يكون عسرا وكذلك أدلّة نفي الضرر مقيسة إلى أدلّة العبادات والمعاملات.
ومن هذا الباب ما دلّ على أنّه لا حكم للشكّ في النافلة أو مع الكثرة أو بعد الفراغ أو
__________________
(١) الحجّ : ٧٨. (٢) البقرة : ١٨٥. (٣) البقرة : ٤٣. (٤) البقرة : ١٨٧. (٥) آل عمران : ٩٧.