الشبهة الحكميّة التحريمية ، فبالإمساك عن كلّ من الفعل والترك ، واستحالة الجمع بينهما إنّما هي في الفعل والترك. المطلقين ، وأمّا الفعل والترك اعتمادا في كلّ منهما على الجواز الواقعي فالإمساك والوقوف عنهما معا ممكن ، فهو الواجب دائما لا الوقوف عن الارتكاب مطلقا ولو اعتمادا على الجواز المجعول للواقعة من حيث الجهالة.
الثاني : أنّ الاقتحام في الهلكات هو الدخول فيها ، فإمّا أن يراد به الدخول الحقيقي وهو الأظهر ، أو الدخول الحكمي على معنى كون ارتكاب الشبهات ممّن عوّد نفسه به في عرصة الدخول في الهلكات ، باعتبار أنّ الخائض فيها لا يأمن من الوقوع في المحرّمات ، بل ربّما ينجرّ ركوبه الشبهات إلى ارتكاب المحرّمات أيضا ولو لقلّة مبالاته ، فإنّ من رتع حول الحمى لا يبالي أن يرتع في الحمى ، وقد روي (١) أنّ من ارتكب الشبهات نازعته ودعته نفسه إلى المحرّمات.
وفي معناه قول رسول الله صلىاللهعليهوآله في حديث : « ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ، وإنّ حمى الله محارمه ، فمن يرتع حول الحمى أو شك أن يقع فيه (٢) ».
وفي آخر : « أنّ لكلّ ملك حمى ، وإنّ حمى الله حلاله وحرامه ، والشبهات بين ذلك كما لو أنّ راعيا رعى إلى جانب حمى لم يلبث غنمه أن تقع في وسطه فدعوا الشبهات (٣) ».
وفي ذلك عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « والمعاصي حمى الله ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها (٤) ». والهلكة ظاهرة في الهلاك الاخروي وهو العقاب ، فإمّا أن يراد به ما يترتّب على مخالفة الحكم الواقعي المجهول ، أو على مخالفة الحكم الظاهري المجعول للجاهل بذلك الحكم وهو وجوب التوقّف والاحتياط ، والأوّل باطل لقبح العقاب على مخالفة حكم لا يعلمه المكلّف عقلا ولا ينكره الأخباريّون أيضا ، ولذا يتكلّفون في إلزام المكلّف على العقاب بالتزام وجوب الاحتياط وما بمعناه ، والثاني ـ مع أنّه محلّ منع لأدلّة البراءة ـ مبنيّ على ثبوت ذلك الحكم العامّ من دليل آخر ، ليكون الارتكاب حينئذ من الاقتحام في الهلكات ، ويندرج به في عموم قوله عليهالسلام : « الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات (٥)
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ١٢٤ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٤٧.
(٢) الوسائل ١٨ : ١٢٢ الباب من أوبواب صفات القاضي ، ح ٣٩ ، عوالي اللآلئ ٢ : ٨٣ ، ح ٢٢٣.
(٣) الوسائل ١٨ : ١٢٢ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ح ٤٠.
(٤) الفقيه ٤ : ٧٥ باب نوادر الحدود ، الوسائل ١٨ : ١١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٢.
(٥) الوسائل ١٨ : ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.