غاية الأمر تعارض الخطابين في الموضوع الخارجي المردّد بين الخمر والخلّ فيتساقطان ، ويرجع معه إلى الأصل المستفاد من العمومات.
هذا مع أنّ البيان المذكور غير كاف في تحقّق البيان وإزاحة العلّة بالقياس إلى الموضوع المشتبه ، لعدم توجّه التحريم المذكور إلى المكلّف في الواقعة الشخصيّة المجهولة.
ألا ترى أنّه لو قال السيّد لعبده : « أكرم العالم ولا تكرم الفاسق » لا يذمّ العبد على إكرام ما احتمل كونه فاسقا ، وترك إكرام ما احتمل كونه عالما ، بل على إكرام ما علم تفصيلا أو إجمالا كونه فاسقا ، وعلى ترك إكرام ما علم كذلك كونه عالما.
والسرّ في ذلك ، أنّ الخطاب الوارد في عنوان كلّي لا يوجب بالقياس إلى الموضوعات الخارجيّة تكليفا إلاّ فيما علم كونه من مصاديق ذلك العنوان تفصيلا أو إجمالا ، كما لو كان أحد الامور المحصورة مع الاشتباه ، فالتكليف الفعلي الّذي عليه مدار الثواب والعقاب في موضوع الحكم الواقعي ومصاديقه الخارجيّة مشروط بالعلم بأحد قسميه ، والمفروض انتفاؤه في المقام ، والمشروط عدم عند عدم شرطه بالضرورة ، فلا تكليف في المورد من جهة التحريم المذكور وإن كان بحسب الواقع من مصاديق متعلّقه.
وبالتأمّل فيما ذكرناه يظهر أنّه لا مجال لأن يقال : إنّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة ومنها الخمر ، وإذا حرّمه الشارع وجب الاجتناب عن كلّ ما احتمل كونه خمرا في الواقع من باب المقدّمة العلميّة ، فالعقل لا يقبح العقاب على ارتكاب الموضوع المشتبه خصوصا على تقدير مصادفته الحرام الواقعي ، ومرجعه إلى إعمال قاعدة الشغل اليقيني المستدعي ليقين البراءة ، وهو لا يحصل إلاّ باجتناب ما ذكر.
وملخّص الاندفاع : منع الاشتغال اليقيني في الأفراد المحتملة الّتي لا يشوبها علم أصلا ، وإنّما يسلّم ذلك في الأفراد المعلومة تفصيلا فلا حاجة في البراءة عنه إلى مقدّمة ، والأفراد المعلومة بالإجمال في شبهة محصورة وهو المحتاج إلى المقدّمة العلميّة وهو الاجتناب عن جميع أطراف الشبهة ، فلا يقين بالاشتغال فيما نحن فيه ليجب مقدّمة اليقين بالبراءة عنه.
وبالجملة قاعدة الاشتغال مقصورة على موارد الشكّ في المكلّف به الّذي لا يؤول إلى الشكّ في التكليف ، ولا يكون إلاّ إذا دار المكلّف به بين متبائنين ، كما لو دار الخمر الواقعي مثلا بين المتّخذ من العنب والمتّخذ من الشعير ، أو دار مصداقه الخارجي بين هذا وذاك كما