فإنّه يندفع بعموم « كلّ شيء » في الصدر ، وعموم « الأشياء كلّها على هذا » لوضوح أنّ التمثيل لا يفيد التخصيص ، والاعتبار إنّما هو بعموم المقال لا بخصوص المثال ، والعامّ صدرا وذيلا يتناول جميع الموضوعات الخارجيّة وجد فيها أصل آخر مقتض للحلّية غير أصل البراءة أو لا ، وجد أصل موضوعي مقتض للحرمة أو لا ، فيندرج فيه ما لا يوجد فيه الأصلان كما فيما نحن فيه.
غاية ما هنالك لزوم تخصيص في العموم بالقياس إلى ما يوجد فيه أصل موضوعي لم يحكم عليه أصل آخر غير أصل البراءة ، كاللحم المطروح ونظائره بما سنشير إليه من طريق هذا التخصيص ، بل في ذيل الرواية باعتبار الغاية الموجودة فيه دلالة واضحة على أنّ الأصل في الأشياء هو الحلّية من غير حاجة لها إلى دليل ولا بيّنة ، وإنّما المحتاج إليهما هو الحرمة.
ويمكن الاستدلال هنا بطريق العقل الحاكم بقبح التكليف بلا بيان أيضا ، بتقريب : أنّ الموضوع المشتبه المردّد بين حلال وحرام لو وجب اجتنابه وترتّب العقاب على ارتكابه لزم التكليف بلا بيان ، واللازم باطل لقبح التكليف بلا بيان عقلا.
أمّا الملازمة : فلأنّ وجوب الاجتناب عن هذا الموضوع إمّا من جهة الحرمة الواقعيّة المجعولة للعنوان المحرّم المشكوك في اندراج هذا الموضوع فيه ، أو أنّه حكم ظاهري مجعول للواقعة الشخصيّة المشكوك في حكمها الواقعي الملحوظة بهذا الوصف العنواني.
ولا سبيل إلى الأوّل ، لأنّ هذه الحرمة بالقياس إلى الواقعة مجهولة ، ولا يصحّ خطاب المكلّف بالحرمة المجهولة على وجه ينعقد تكليفا عليه يعاقب عليه ، ويقبح المؤاخذة والعقاب على مخالفته.
ولا إلى الثاني لأنّ الحكم الظاهري أيضا يحتاج إلى بيان والمفروض عدم حصوله لانتفاء الدليل عليه ، وأخبار الاحتياط قد ظهر حالها مع أنّ العاملين بها في الشبهات الحكميّة لم يعملوا بها هنا.
وتوهّم أنّ الشارع بيّن حكم الخمر بقوله : « الخمر حرام » ومع حصول بيان التحريم للخمر لا يلزم من وجوب الاجتناب عن موضوعه الخارجي الواقعي التكليف بلا بيان.
يندفع بالنقض بأنّه أيضا قد بيّن حكم الخلّ بقوله : « الخلّ حلال » ووجهه : أنّ التحريم الّذي بيّنه الشارع للخمر الواقعي لو كان كافيا في وجوب الاجتناب عمّا احتمل كونه خمرا لكان الحلّ الّذي بيّنه الشارع للخلّ الواقعي كافيا في الحكم بحلّية ما احتمل كونه خلاّ.