يعارض الأصل المذكور ولا على وجه يعاضده ، ووجهه يعلم ممّا تقدّم في مفتتح الباب من أنّ الأصل كما لا يصلح معارضا للدليل كذا لا يصلح معاضدا له.
وثانيهما : ما لا يوجد فيه شيء من الاصول الرافعة لاشتباه الموضوع كما في مسألة المائع المردّد بين الخلّ والخمر ، وهذا هو محلّ الكلام في هذا المقام.
فنقول : إنّ الحكم فيه هو البراءة ، على معنى جواز الارتكاب وعدم الاجتناب وعدم العقاب على الفعل لو صادف الحرام الواقعي ، للأصل العامّ المستفاد من الأدلّة المتقدّمة ، ولا سيّما الإجماع لكون العمل بالأصل هنا وفاقيّا عند الفريقين ، والإجماعات المنقولة فيه بالغة فوق حدّ الاستفاضة ، بل ربّما ادّعي تواترها.
وأظهر ما يدلّ عليه هنا من السنّة قوله عليهالسلام : « كلّ شيء فيه حلال وحرام » إلى آخره (١) فإنّه لو لم يكن ظاهرا في شبهة الموضوع فلا أقلّ من عدم ظهوره في شبهة الحكم أيضا فيعمّ النوعين ، وإلاّ فقد عرفت أنّه لا ينحلّ إلاّ الموضوع.
ويقرب منه بل يوافقه في الدلالة على المطلب رواية مسعدة بن صدقة « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعلّه سرقة ، أو العبد يكون عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع ، أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو يقوم به البيّنة » (٢) كما استدلّ به العلاّمة في التذكرة (٣) وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه.
وإن كان قد يتأمّل في صحّة الاستدلال بها باعتبار أنّ الحلّية في الأمثلة المذكورة فيها إنّما هي من مقتضى اصول اخر غير أصل البراءة كقاعدة اليد في الأوّلين ، وأصالة عدم تحقّق النسب والرضاع في الأخير ، بحيث لو قطع النظر عن تلك الاصول كان مقتضى الاصول الموضوعيّة الموجودة فيها ـ وهو استصحاب بقاء ملك الغير في الأوّل ، وأصالة الحرّيّة في الإنسان المشكوك في رقّيته في الثاني ، وأصالة عدم تأثير العقد في الثالث ، المانعة عن جريان أصل البراءة فيها ـ هو الحرمة ومنع التصرّف ، فلا مجرى لأصل البراءة في شيء منها ، ومع ذلك كيف يستدلّ عليه بهذه الرواية.
فإنّه يندفع بعموم « كلّ شيء » في الصدر ، وعموم « الأشياء كلّها على هذا » لوضوح أنّ
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ١.
(٢) الوسائل ١٢ : ٦٠ الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٤.
(٣) التذكرة ١ : ٥٨٨ ( الطبعة الحجريّة ).