بعدي ، شأنهم شأن الأنبياء ، قوم يفرّون ... إلى آخره.
وقد ذكرناه بجملته في كتابنا المسمّى بـ «مفتاح السعادات».
وقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إشارة إلى أنّ الّذي يمكّن رجلا أمّيّا يتيما لا مال له ولا عشيرة قويّة تنصره من هذا الأمر العظيم «أي الرسالة» حتّى ينقاد له في زمان يسير من الناس كثير مع عتوّهم وقوّتهم ، لا يكون إلّا عزيزا لا يغلب ، حكيما لا يناقش في تدبيره وحكمته ، فهذا الرجل مؤيّد من عند الله ، ومجتباه من جميع خلقه ، وقد شهدت العقول الفطريّة السليمة بصدقه في رسالته ، وقد أراد المشركون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمّ نوره ولو كره المشركون.
والمشار إليه «بذلك» في قوله (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) هو بعث الله النبيّ الأمّيّ بالنبوّة على الوجه المذكور ، فضله وإحسانه يختصّ به من يشاء من عباده ، فإنّه أعلم حيث يجعل رسالته.
ومن المحتمل أن يكون المراد من «الهداية» يسبّب هذا البعث ، فإنّها من فضل الله على المؤمنين كما يدلّ عليه قوله (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً) ... (١) إلى آخره.
وفي بعض القراءات لمن منّ الله على المؤمنين (٢) ولا ريب أنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب من ألطاف الله على عباده ، وقد صرّح المتكلّمون بوجوب اللطف ـ أي ما يقرّب إلى الطاعات ويبعّد عن المعاصي ـ على الله تعالى.
__________________
(١) آل عمران : ١٦٤.
(٢) آل عمران : ١٦٤.