الخير الكثير في الدنيا ، ووعده الخير الكثير في الآخرة ، وجميع هذه الأقوال تفصيل للجملة الّتي هي الخير الكثير في الدارين (١). انتهى.
هذا إلّا أنّ الظاهر إرادة كلّ من هؤلاء خصوص كلّ من هذه المعاني على انفراد ، فالحمل على الجميع مستلزم لاستعمال اللفظة الواحدة في أكثر من معنى واحد ، فتدبّر.
وللقائل بتجسّم الأعمال ـ كما هو ظاهر جملة من الآيات والروايات ـ أن يقول : إنّ المعاني المذكورة تتصوّر وتتمثّل في النشأة الآخرة بصورة النهر والحوض ، فهي هما في الحقيقة ، فلا منافاة بين ما تقدّم وبين التفسير بهما ، فتأمّل.
قال الله سبحانه بعد أن امتنّ على رسوله النبيل بهذا العطاء الجزيل : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فالعقل السليم شاهد بوجوب شكر المنعم ، فكلّما عظمت النعمة حكم العقل بعظم الشكر في مقابلته ، ولمّا كانت العطيّة في المقام من أعظم العطايا أمر المنعم الحقيقيّ عبده بأداء شكره في ضمن ما هو من أعظم العبادات وهو الصلاة والنحر. ولعلّ المراد بهما على ما صرّح به في العرائس : الوصل بنور الربوبيّة ؛ بخالص العبوديّة ، ونحر النفوس قربانا لكشف المشاهد.
قال : أي اتّصل بنور الربوبيّة بخالص العبوديّة وانحر نفسك قربانا لكشف مشاهدتي (٢). انتهى.
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٥٤٩.
(٢) عرائس البيان : ٣٨٦.