الآية الخامسة :
قوله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) قدّم المسند على المسند إليه ، لأنّ الغرض الأصليّ من عقد هذه الجملة نفي الكفو ، فيكون أهمّ كما أنّ المسند إليه قد يقدّم لذلك.
لا يقال : إنّ ما لم يكن في الماضي يمكن أن يكون في المستقبل فـ «لم يكن» لا ينافيه «يكون» لما عرفته في جواب السؤال عن أنّ «لم يلد» لا ينافيه «يلد» في المستقبل من أنّ العلّة الثابتة في الماضي جارية في المستقبل ، هذا مع أنّ الماضي والمستقبل بالنسبة إلى الحقّ القديم سيّان ، كيف وهو خالق الزمان ومبدع أسبابه من الأفلاك وحركاتها ، فتأمّل.
وهذا السؤال لا يجري في (وَلَمْ يُولَدْ) فإنّ الموجود إذا كان لم يولد امتنع أن يولد ؛ بمعنى أن يوجد بالولادة بعد فرضه موجودا بنفسه ، وإنّما يصحّ ذلك في المعدوم سابقا ، والحقّ القديم أزليّ غير مسبوق بالعدم بالضرورة ، وفي المقام سؤال آخر وهو أنّ «له» ظرف لغو لتعلّقه بـ «كفوا».
وقد نصّ سيبويه على أنّ الظرف الّذي هو غير مستقرّ يؤخّر في الكلام العربيّ الفصيح ولا يقدّم ، فكيف قدّم في هذا الكلام مع كونه أفصح الكلام؟! وقد نقل : إنّ بعض العرب كان يقرأ «ولم يكن أحد كفوا له» (١).
وقد أجاب عنه الزمخشريّ في الكشّاف بأنّ هذا الكلام إنّما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه ، وهذا المعنى مصبّه ومركزه هو هذا
__________________
(١) انظر : الكشّاف ٤ : ٨١٨.