و «المكبّ» : اسم فاعل ؛ من «أكبّ الشيء» فهو إمّا من الأفعال الّتي مجرّدها متعدّ ومزيدها لازم مطاوع لمجرّدها ، فيقال : كببته ، فأكبّ ؛ نظير قولهم : تشعبّت الريح السحاب أي كشفته وأزالته فانقشع ونزفت البئر فأنزفت ؛ أي ذهب ماؤها ، ونسلت ريش الطائر فانسلّ ؛ إذ من الأفعال الّتي جاءت للصيرورة ؛ كما في : أغدّ البعير ، أي : صار ذا غدّة ، فمعنى «مكبّا» صائرا إذا كبّ ، أو من الأفعال المتضمّنة للدخول كقولهم : أحرم الرجل ؛ إذا دخل في الحرم ، وأشأم : إذا دخل الشام ، وأتهم : إذا دخل تهامة ، وأنجد : إذا دخل النجد ، وأيمن : إذا دخل اليمن. فمعنى «مكبّا» داخلا في الكبّ.
وهذان الوجهان أولى من الأوّل لندرته. وقد صرّح جماعة بأنّ مطاوع «كبّ» «انكبّ» وبأنّه لا شيء من بناء «أفعل» مطاوعا.
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ذكّرهم الله بعض نعمائه عليهم ليشكروا ، ووبّخهم على تركهم الشكر في كثير من الأوقات ، فإنّ الشكر هو صرف العبد جميع ما أعطاه الله من النعم فيما يحبّه ويأمر به ، ومنها : الوجود الّذي هو أعظم النعم وأصلها وأساسها ، ولذا قدّمه فقال : (الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) ؛ أي أخرجكم من العدم إلى الوجود ، لإيصال الفيض والجود.
قيل : أي ابتدأكم وخلقكم ، وكلّ من ابتدأ شيئا فقد أنشأه.
ومنها : القوّة السامعة ، ليسمعوا بها المسموعات ، فينتفعوا بالمواعظ الإلهيّة.
ومنها : القوّة الباصرة ، ليبصروا بها المبصرات ، فينتفعوا بمشاهدة آثار