آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١).
وهذا الاستهزاء لا يطّلع عليه سوى الخبير بالبواطن ، لكونه أمرا قلبيّا ، ولذا قال : (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٢).
وفي التعبير بـ «بل» ردّ على ما زعموه من أنّ ما أضمروه من النفاق والاستهزاء لا يطّلع عليه أحد ، وفي سورة التوبة : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٣).
وقوله تعالى : (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) (٤) بدل أو عطف بيان لقوله (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) (٥) وفيه تفصيل لما أجمل ، وتوضيح لما أبهم ، وقد يقال : إنّ «بل» في الموضعين للانتقال من غرض إلى آخر ، وما ذكرناه أظهر ، ففيه ردّ على ما ذكروه من انحصار عذرهم بشغل الأموال والأهل ؛ مع أنّ عذرهم في الباطن هو ظنّهم بأنّ قريشا يستأصلون محمّدا وأصحابه ويصطلمونهم ؛ فلا يرجعون إلى من خلفهم في المدينة من الأهل والأولاد أبدا.
__________________
(١) البقرة : ٨ ـ ١٥.
(٢) الفتح : ١١.
(٣) التوبة : ٦٤ و ٦٥.
(٤) الفتح : ١٢.
(٥) الفتح : ١١.