فهم قد ظلموا أنفسهم وعلم الله بشقاوتهم من الأزل ، فلا يتوقّع إيمانهم حيث لا يفعل الله بهم من الألطاف التّي يفعلها بالمؤمنين الّذين بها يهتدون إلى الحقّ ، أولا يهديهم إلى الجنّة ، فإنّ طريقها منحصرة في الإيمان بهذا النبيّ الأمّيّ العربيّ الناسخ بشريعته جميع الشرائع السالفة ، ويمكن حمل الآية على العموم نظرا إلى الظاهر من إفادة الجمع المحلّى بـ «اللام» له ، إذا لم يكن للعهد ، فتأمّل.
وفي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) إشارة إلى أنّ المدّعي لا يقبل قوله بمجرّد الدعوى ، بل لا بدّ له من إقامة البيّنة عليها ، ودعوى محبّة الله وولايته من أعظم الدعاوى وأعلاها وأصعبها ، فكيف يصغى إليها بمجرّد القول والتدليس؟!
قال في «مصباح الشريعة» : ومن ادّعى فيما لا يحلّ له فتح عليه أبواب البلوى ، والمدّعي يطلب بالبيّنة لا محالة وهو مفلس فيفتضح (١).
وفي الديوان العلويّ :
لا تخدعنّ فللمحبّ دلائل |
|
ولديه من نجوى الحبيب رسائل |
منها تنعّمه بما يبلى به |
|
وسروره في كلّ ما هو فاعل |
فالمنع منه عطيّة معروفة |
|
والفقر إكرام ولطف عاجل |
ومن الدلائل أن يرى متحفّظا |
|
متقشّفا في كلّ ما هو نازل |
ومن الدلائل أن تراه مشمّرا |
|
في غرقيين على شطوط الساحل |
__________________
(١) مصباح الشريعة : ٢٠٠.