يتعدّ نظره عن ظهور هذه الأجسام إلى عالم التدبّر في توحيده ، ولم يرتق فكره عن عمارة هذه الهياكل والأبدان إلى عالم التصديق من حيث الدليل والبرهان في إثبات صفاته الجلاليّة والكماليّة ، حيث قال : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) ... (١) إلى طريق الحقّ لشؤم سيرتهم الفاسدة ، وخبث سريرتهم الخاسرة.
ومورد الآية وإن خصّ بعلماء اليهود ، ولكنّ المناط ـ وهو عدم العمل بالعلم ـ يعمّ جميع علماء السوء الّذين يتركون العمل بما يعلمون ، وقد تواترت الأخبار بذمّهم من طرق الفريقين ، ولا يخفى أنّ توفيق العمل بالعلم أيضا من فضل الله يؤتيه من يشاء ، كما أنّ نفس العلم أيضا كذلك إذا كان المعلوم من علوم الآخرة ، فلا يؤتى إلّا من عمل صالحا وتزكّى بالرياضات الشرعيّة ، وقد أحسن من قال :
شكوت إلى [وكيع سوء] (٢) حفظي |
|
فأرشدني إلى ترك المعاصي |
وقال : اعلم بأنّ العلم فضل |
|
وفضل الله لا يؤتاه عاص |
وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إشارة إلى أنّ هؤلاء الّذين أخبروا برسالة هذا النبيّ صلّى الله عليه وآله في التوراة فأنكروه بعد بعثه ،
__________________
(١) الأعراف : ١٧٩.
(٢) في الأصل : الوكيع قلّة.